الإخلاص في التوحيد
وما بلغ أحد مرتبة النبيّ وآله في توحيد الله، ومنهم تعلّم الناس ذلك كما تعلّموا منهم العبادة والطّاعة والإخلاص فيها، لكنّ للمراتب الدانية عنها أيضاً آثار وبركات، إلاّ أن على المؤمن أن يسعى من أجل الوصول إلى ما جاء في الحديث عن أبي عبدالله الصّادق عليه السّلام:
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: قال الله عزّ وجلّ: من أهان لي وليّاً فقد أرصد لمحاربتي، وما تقرّب إليّ عبد بشيء أحبّ إليّ مما افترضت عليه. وإنه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتى اُحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها. إنْ دعاني أجبته وإن سألني أعطيته. وما ترددت عن شيء أنا فاعله كترددي عن موت المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته»(1).
وهذه من الأُمور الواقعيّة التي لا تحتاج إلى سند، يحصل عليها السّائرون في هذا الطريق، والرسول والأئمّة عليهم السّلام على رأسهم، وقد ورد هذا الحديث في مصادر أهل السنة أيضاً(2).
وعلّق عليه النووي شارح صحيح مسلم ورتّب عليه آثاراً مفيدة، حيث نقل عن الحافظ القاضي عياض المالكي ما نصّه:
«ومحبّة الله تعالى لعبده تمكينه من طاعته وعصمته وتوفيقه وتيسير ألطافه وهدايته وإفاضة رحمته عليه. هذه مباديها، وأما غايتها، فكشف الحجب عن قلبه حتى يراه ببصيرته، فيكون كما قال في الحديث الصحيح: «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به»(3).
فإذا كان الإنسان العابد وبسبب عبوديّته وطاعته للباري تعالى يصل إلى مرتبة يصفها سبحانه: «كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به»، فما ظنّك بالأئمّة الطاهرين عليهم السّلام، الذين عرفوه وعبدوه حق عبادته، وأطاعوه حق طاعته، وأخلصوا في توحيده بجميع جوانب التوحيد ـ الذاتي والصفاتي والأفعالي والعبادي ـ فكانوا حقاً «صفوة الله» الذين اصطفاهم لنفسه، وأودعهم مواريث الأنبياء، وجعلهم خلفاءه في الأرض.
(1) الكافي 2 / 352، المحاسن 1 / 291، وسائل الشيعة 4 / 72، بحار الأنوار: 2267.
(2) صحيح البخاري 7 / 190، السنن الكبرى 10 / 219.
(3) شرح صحيح مسلم 15 / 151.