الأئمّة هم الدعاة إلى الله
ولا ريب أن الذين اتبعوه وكانوا الدعاة إلى الله من بعده على بصيرة هم علي وأولاده المعصومون، لأنّ جميع ما اعتبر شرطاً أو وصفاً في الداعي إلى الله فهو موجود فيهم دون غيرهم، فالأُمور التي اشتملت عليها الآيتان المذكورتان، وهي: البصيرة والعمل الصالح واتّباع رسول الله، ما اجتمعت إلاّ في أمير المؤمنين والأئمّة من بعده، ولذا قال أبو عبدالله عليه السّلام في الآية:
يعني عليّاً، أوّل من اتّبعه على الإيمان به والتصديق له بما جاء به من عند الله، من الاُمة التي بعث فيها ومنها وإليها، قبل الخلق، ممن لم يشرك بالله قط، ولم يلبس إيمانه بظلم وهو الشرك(1).
ومن كان مثلهم عليهم السّلام في البصيرة؟ وقد قال الراغب في معنى الكلمة في الآية: أي على معرفة وتحقق(2).
وكذا في الأعمال الصالحات، فإنّه ما من آية نزلت وفيها: الذين آمنوا وعملوا الصّالحات… إلاّ وعلي وأبناؤه على رأسهم… .
لقد قام الأئمّة الأطهار عليهم السّلام بواجب الدعوة إلى الله بأحسن الوجوه وأفضل الطّرق، دعوا كلاًّ من الناس حسب إدراكه ومستوى تفكيره، فكان خطابهم للعالم يختلف عن خطابهم للجاهل، كانوا كما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
إنا معاشر الأنبياء اُمرنا أنْ نكلّم الناس على قدر عقولهم(3).
فمخاطبتهم للناس تتلاءم وسعة عقولهم وإدراكهم، وبمقدار استيعاب الفرد يفتحون له نافذةً للهداية إلى الله جلّ وعلا، فمرَّةً عن طريق الاستدلال بآية قرآنيّة، ومرّة بطريق عقليٍّ، ولآخر بالبرهان، وقد يتطلب هداية البعض تقديم العون المادّي، وتأمين احتياجاته المعيشية. فهم عليهم السّلام أدرى بالطريقة الأكثر تأثيراً لهداية أفراد المجتمع.
وقد تحمّلوا سلام الله عليهم أنواع الأذى والمشاق في هذا الطريق الشائك، وصبروا على طول المحنة، وقابلوا الإساءات بالإحسان إلى الحدّ الذي كانوا يحلمون عمّن يتطاول عليهم ويرأفون بمن كان يكيل لهم التهم والسباب في الطرق والأسواق من الجهلة، ما كان يدفعهم إلى منع أصحابهم الذين كانوا يهمّون لردع هؤلاء المسيئين باستخدام القوّة.
(1) الكافي 5 / 13.
(2) المفردات في غريب القرآن: 127.
(3) الكافي 1 / 23، أمالي الصّدوق: 504.