الأئمّة أوصياء الرّسول
وما كان نبيّنا صلّى الله عليه وآله بدعاً من الرسل، فقد أوصى بأمر من الله عزّ وجلّ وعيّن الخلفاء من بعده وعهد بذلك بكلّ وضوح وصراحة، وهذا ما جاء في روايات الفريقين كذلك:
روى الشيخ الكليني بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبدالله الصّادق عليه السّلام قال:
قال أبي لجابر بن عبدالله الأنصاري: إنّ لي إليك حاجة، فمتى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟
فقال له جابر: أيّ الأوقات أحببته؟ فخلا به في بعض الأيام.
فقال له: يا جابر! أخبرني عن اللّوح الّذي رأيته في يد أمّي فاطمة عليها السّلام بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله، وما أخبرتك به أمي أنّه في ذلك اللّوح مكتوب؟
فقال جابر: أشهد بالله أنّي دخلت على أمّك فاطمة عليها السّلام في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله فهنيتها بولادة الحسين عليه السّلام، ورأيت في يديها لوحاً أخضر، ظننت أنّه من زمرّد، ورأيت فيه كتاباً أبيض شبه لون الشمس، فقلت لها: بأبي وأمّي يا بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله ما هذا اللّوح؟
فقالت: هذا لوح أهداه الله إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابنيّ واسم الأوصياء من ولدي وأعطانيه أبي ليبشرني بذلك.
قال جابر: فأعطتنيه أمّك فاطمة عليها السّلام فقرأته واستنسخته.
فقال له أبي: فهل لك يا جابر! أن تعرضه علي؟
قال: نعم.
فمشى معه أبي إلى منزل جابر فأخرج صحيفة من رق.
فقال: يا جابر! انظر في كتابك لأقرأ ]أنا[ عليك.
فنظر جابر في نسخته فقرأه أبي فما خالف حرف حرفاً.
فقال جابر: فأشهد بالله أنّي هكذا رأيته في اللّوح مكتوباً:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمّد نبيّه ونوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به الرّوح الأمين من عند ربّ العالمين، عظّم يا محمّد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي، إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا قاصم الجبّارين ومديل المظلومين وديّان الدين، إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا، فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي، عذّبته عذاباً لا أعذّبه أحداً من العالمين، فإيّاي فاعبد وعليّ فتوكّل.
إنّي لم أبعث نبيّاً فأكملت أيّامه وانقضت مدّته إلاّ جعلت له وصيّاً، وإنّي فضّلتك على الأنبياء وفضّلت وصيّك على الأوصياء، وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين، فجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدّة أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسّعادة، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة، جعلت كلمتي التامّة معه وحجّتي البالغة عنده، بعترته أثيب وأعاقب، أوّلهم علي سيد العابدين وزين أوليائي الماضين، وابنه شبه جدّه المحمود محمّد الباقر علمي والمعدن لحكمتي.
سيهلك المرتابون في جعفر، الراد عليه كالراد عليّ، حق القول منّي لأكرمنّ مثوى جعفر، ولاُسرنّه في أشياعه وأنصاره وأوليائه، أتيحت بعده موسى فتنة عمياء حندس لأن خيط فرضي لا ينقطع وحجتي لا تخفى، وأنّ أوليائي يسقون بالكأس الأوفى، من جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومن غيّر آية من كتابي فقد افترى عليّ.
ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدّة موسى عبدي وحبيبي وخيرتي في علي وليي وناصري ومن أضع عليه أعباء النبوة وأمتحنه بالاضطلاع بها، يقتله عفريت مستكبر يدفن في المدينة التي بناها العبد الصّالح إلى جنب شرّ خلقي.
حق القول منّي لأسرنّه بمحمّد ابنه وخليفته من بعده ووارث علمه، فهو معدن علمي وموضع سرّي وحجّتي على خلقي، لا يؤمن عبد به إلاّ جعلت الجنّة مثواه وشفّعته في سبعين من أهل بيته كلّهم قد استوجبوا النار.
وأختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري والشاهد في خلقي وأميني علي وحيي، أخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن.
وأكمل ذلك بابنه «م ح م د» رحمة للعالمين، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيّوب، فيذلّ أوليائي في زمانه وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم، فيقتلون ويحرّقون ويكونون خائفين، مرعوبين، وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم ويفشو الويل والزنا في نسائهم أولئك أوليائي حقاً، بهم أدفع كلّ فتنة عمياء حندس وبهم أكشف الزلازل وأدفع الآصار والأغلال، أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون.
قال عبدالرحمان بن سالم: قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلاّ هذا الحديث لكفاك، فصنه إلاّ عن أهله(1).
إن مفهوم الوصيّة لا يتحقق إلاّ بأطراف:
1 ـ الموصي.
2 ـ الوصي.
3 ـ الجهة.
فهو يوصي إلى زيد بأنْ يصرف كذا من أمواله في الجهة المعيّنة.
وقد يكون للموصي أوصياء كلّ منهم لجهة من الجهات.
وللنبي صلّى الله عليه وآله اثنا عشر وصيّاً يقوم كلّ واحد منهم بعد الآخر بوظائف النبوّة، فلا تخلو الأرض من هاد للأمّة ورابط بينها وبين الله، ومن حجّة لله على الخلق، حتى قيام السّاعة… .
إن الارتباط بين السماء والأرض لم ينقطع بموت النّبي صلّى الله عليه وآله، بل إنّ جميع ما اُنزل عليه من القرآن وأحكام الحلال والحرام والآداب والسنن… باق مستمرّ إلى يوم القيامة، والأئمّة كلٌّ في عهده حافظون لذلك كلّه من الزيادة والنقصان ومبلّغون له للناس، فهو ـ وإنْ رحل عن هذا العالم ـ باق ببقاء الأئمّة من أهل بيته وما جاء به باق ببقائهم، ولعلّ هذا هو السرّ في إضافة «الأوصياء» إلى «نبي الله»، إذْ اُضيف الأئمّة بعنوان الأوصياء إلى جهة نبوته صلّى الله عليه وآله.
ولابدّ من التأكيد هنا على نقطة ـ ولو بإيجاز ـ وهي: إنّ من يكون وصيّ النبي فيقوم من بعده بوظائف النبوّة ويقوم مقامه ويسدّ مسدّة، لابدّ وأنْ يكون واجداً لجميع صفات النبيّ ومراتبه من الولاية والعلم والعصمة وغير ذلك عدا النبوة.
(1) الكافي 1 / 527 ـ 528.