إشارةٌ إلى الولاية التشريعيّة
والأئمّة لهم مقام آخر، وهو حقّ الولاية على الناس، أي: إنهم أحق وأولى بالتصرّف في أموالهم وأنفسهم منهم، فهم وحدهم «السّادة الولاة» على الإطلاق، ومن كان كذلك، وجبت إطاعتهم إطاعةً مطلقةً، والكون معهم من دون تقدّم عليهم ولا تأخر عنهم أبداً، وعلى الجملة، فإن الأئمّة عليهم السّلام هم «اُولوا الأمر» في قوله تعالى:
(يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا أَطيعُوا اللّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ)(1).
فعن سليم بن قيس قال: سمعت عليّاً يقول، وأتاه رجل فقال له: ما أدنى ما يكون به العبد مؤمناً، وأدنى ما يكون به العبد كافراً، وأدنى ما يكون به العَبْدُ ضالاًّ؟
فقال له: قد سألتَ فافْهَم الجواب، أمّا أدنى ما يكون به العبد مؤمناً أن يُعرّفه الله تبارك وتعالى نَفْسَه فيُقرّ له بالطاعة، ويُعرِّفَه نبيّه صلّى الله عليه وآله فيُقرَّ له بالطاعة، ويعرّفه إمامه وحُجّته في أرضه وشاهده على خلقه فيُقرّ له بالطاعة.
فقلت: يا أمير المؤمنين، وإنْ جَهِل جميع الأشياء إلاّ ما وَصَفْتَ! قال: نعم، إذا أُمِر أطاع، وإذا نُهِي انتهى.
وأدنى ما يكون به العبد كافراً مَن زعم أنّ شيئاً نهى الله عنه أنّ الله أمر به ونصبَه ديناً يتولّى عليه، ويَزْعُم أنّه يعبُدُ الذي أمره به وإنّما يَعْبُد الشيطان.
وأدنى ما يكون العَبد به ضالاًّ، أن لا يعرف حُجّة الله تبارك وتعالى وشاهِدَه على عباده الذي أمر الله عزّ وجلّ بطاعته وفرض ولايته.
قلت: يا أمير المؤمنين، صِفْهُم لي.
قال: الذين قَرَنهم الله تعالى بنفسه ونبيّه، فقال: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا أَطيعُوا اللّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ).
فقلت: يا أمير المؤمنين، جعَلني الله فِداك، أوضِحْ لي.
فقال: الذين قال رسول الله صلّى الله عليه وآله في آخر خُطبَتِه يوم قبَضَه الله عزّ وجلّ إليه: إنّي قد تركتُ فيكم أمْرَين، لن تَضِلّوا بعدي إن تمسّكتم بهما: كتاب الله عزّ وجلّ، وعترتي أهل بيتي، فإنّ اللطيف الخبير قد عَهِدَ إليّ أنّهما لن يفترقا حتّى يَرِدا عليّ الحوض كهاتين ـ وجمع بين مُسبّحتيه ـ ولا أقول كهاتين ـ وجمع بين المُسَبِّحة والوسطى ـ فَتَسْبِق إحداهما الاُخرى، فتمسّكوا بهما لا تَزِلُّوا، ولا تَضِلُّوا، ولا تتقدّموهم فتَضِلّوا»(2).
وهذا طرف من ولايتهم… وهو الولاية التشريعيّة، ونعني بها أولويّتهم بالناس من أنفسهم كما كان لجدّهم الرسول الأكرم إذ قال تعالى:
(النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(3).
ثم قال رسول الله في يوم غدير خم:
ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه(4).
وسيأتي تفصيله في محلّه.
والطرف الآخر: الولاية التكوينيّة، حيث كلّ فرضت طاعتهم على كلّ شيء من الأشياء، وهذا ما أشارت إليه الآية المباركة:
(أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكًا عَظيمًا)(5).
وقد ورد في النصوص الصحيحة أن «الملك العظيم» هو الطاعة المفروضة.
وسيأتي تفصيله في موضعه إن شاء الله.
(1) سورة النساء، الآية: 59.
(2) تفسير البرهان 2 / 107.
(3) سورة الأحزاب، الآية: 6.
(4) وهذا هو حديث الغدير المتواتر، وقد بحثنا عنه سنداً ودلالةً في كتابنا الكبير، الأجزاء: 6 ـ 9.
(5) سورة النساء، الآية: 54.