«أولوا الأمر» في القرآن الأئمّة المعصومون
ثمّ إنّ الآية المباركة ـ وبقطع النظر عن الروايات ـ تدلّ على أنهم هم اُولي الأمر دون غيرهم، وذلك لِما فيها من الأمر بالطّاعة المطلقة، وهي لا تجوز إلاّ للمعصوم، ولا معصوم في الإسلام غيرهم.
وقد اعترف الرازي بدلالة الآية على عصمة اُولي الأمر إذ قال ما نصّه:
إعلم أن قوله (وَأُولِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ) يدلّ عندنا على أن إجماع الأمة حجّة، والدليل على ذلك أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لابدّ وأن يكون معصوماً عن الخطأ، إذ لولم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأ منهي عنه، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وإنه محال، فثبت أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم، وثبت أن كلّ من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ، فثبت قطعاً أن أولي الأمر المذكور في هذه الآية لابدّ وأن يكون معصوماً».
لكنّه جعل يلفّ ويدور، لعِلمه بعدم عصمة غير الأئمّة الطّاهرين وهو يأبى الاعتراف بالحقيقة… فقال:
«ثم نقول: ذلك المعصوم، إما مجموع الأمة أو بعض الأمة، لا جائز أن يكون بعض الأمة; لأنا بيّنا أن الله تعالى أوجب طاعة أولي الأمر في هذه الآية قطعاً، وإيجاب طاعتهم قطعاً مشروط بكوننا عارفين بهم قادرين على الوصول إليهم والاستفادة منهم، ونحن نعلم بالضرورة أنا في زماننا هذا عاجزون عن معرفة الإمام المعصوم، عاجزون عن استفادة الدين والعلم منهم، وإذا كان الأمر كذلك، علمنا أن المعصوم الذي أمر الله المؤمنين بطاعته ليس بعضاً من أبعاض الأمة، ولا طائفة من طوائفهم. ولما بطل هذا وجب أن يكون ذلك المعصوم الذي هو المراد بقوله (وَأُولِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ) أهل الحلّ والعقد من الأمة، وذلك يوجب القطع بأن إجماع الأمة حجة(1).
لكنّا قد ذكرنا في جوابه في بحوثنا سقوط هذا الكلام بوجوه نلخّصها هنا:
أوّلاً: لم تكن الاُمّة عاجزةً عن معرفة الإمام «المعصوم الذي أمر الله المؤمنين بطاعته» بعد رسول الله ثم في الأزمان اللاّحقة إلى الإمام الحادي عشر من أئمّة أهل البيت عليهم السّلام.
وثانياً: أنا في زماننا هذا غير عاجزين عن معرفة الإمام المعصوم.
وثالثاً: إنْ صحّ الحديث: «لا تجتمع اُمّتي على الخطأ» فالمعصوم كلّ الاُمّة بالمعنى الحقيقي.
ورابعاً: من أهل الحلّ والعقد؟ ومن يعيّنهم؟
(1) تفسير الفخر الرازي 10 / 144.