أثر وجودهم للجنّ و الحيوانات
ثم إنه يستفاد من كلمة «أهل الأرض» في قول النبي صلّى الله عليه وآله: «النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض» أن بركات وجود أهل البيت عليهم السّلام على وجه الأرض لا تقتصر على أبناء البشر فحسب، بل تعمّ سائر الخلائق كالحيوانات والجنّ… في حدوثها وبقائها… .
إنّ الأخبار في معرفة الأئمّة عليهم السّلام لغات الحيوانات ورجوعها إليهم في مشكلاتها وتقديم شكاواها… كثيرة، وما قصّة الغزالة التي شملها عطف الإمام علي بن موسى الرّضا عليه السّلام إلاّ واحدة من تلك القضايا، وفي هذا الكتاب موارد أخرى.
وأمّا الجن، فمن «أهل الأرض» أيضاً، وفي هذه الطائفة مؤمنون وغير مؤمنين، وكلّهم يتنعّمون ببركات الأئمّة الأطهار.
وقد اتفق في زمان مرجعيّة سيدنا الجدّ الرّاحل في مدينة مشهد الرّضا أن رجلاً جاء إلى شيخ كان له القدرة على الاتّصال بالجن، وشكى إليه استهداف الجنّ داره بالحجارة، فاستفسر الشيخ منهم فقالوا: بأن أهل هذه الدار قد كسروا رجل واحد منّا، فنحن نرميهم بالحجارة انتقاماً منهم، فأقرّ صاحب الدار بأنّ أحد أبنائه قد كسر رجل قطٍّ كان على حائط الدار، وأبدى استعداده لجلب رضاهم، فقالوا: نحن مقلّدون للسيد الميلاني ونسلّم لحكمه، فلمّا حكم السيّد الجدّ في القضيّة وامتثل صاحب الدار… انقطع رمي الأحجار… .
هذا، ومن جملة الشواهد على عموم «أركان البلاد» كما ذكرنا، ما ورد بذيل قوله تعالى:
(إِنّا عَرَضْنَا الاَْمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالاَْرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الاِْنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُومًا جَهُولاً)(1).
ففي الأخبار:
«هي ولاية علي بن أبي طالب»(2).
وروى الحافظ ابن شهرآشوب السّروي عن محمّد بن الحنفيّة عن أمير المؤمنين عليٍّ عليه السّلام أنه قال:
«عرض الله أمانتي على السّماوات السّبع بالثواب والعقاب، فقلن: ربّنا لا تحمّلنا بالثواب والعقاب، لكننا نحملها بلا ثواب ولا عقاب، وإنّ الله عرض أمانتي وولايتي على الطيور، فأوّل من آمن بها البزاة البيض والقنابر، وأوّل من جحدها البوم والعنقا فلعنهما الله تعالى من بين الطيور، فأمّا البوم، فلا تقدر أن تظهر بالنهار لبغض الطير لها، وأمّا العنقاء، فغابت في البحار لا ترى. وإنّ الله عرض أمانتي على الأرضين، فكلّ بقعة آمنت بولايتي جعلها طيبة زكيّة وجعل نباتها وثمرها حلواً عذباً وجعل ماءها زلالاً، وكلّ بقعة جحدت إمامتي وأنكرت ولايتي، جعلها سبخاً وجعل نباتها مرّاً علقماً، وجعل ثمرها العوسج والحنظل، وجعل ماءها ملحاً أجاجاً.
ثمّ قال: (وَحَمَلَهَا الاِْنْسانُ); يعني أمتك يا محمّد! ولاية أمير المؤمنين وإمامته بما فيها من الثواب والعقاب (إِنَّهُ كانَ ظَلُومًا) لنفسه (جَهُولاً) لأمر ربّه; من لم يؤدها بحقّها فهو ظلوم غشوم»(3).
(1) سورة الأحزاب، الآية: 72.
(2) الكافي 1 / 413.
(3) مناقب آل أبي طالب 2 / 141 ـ 142.