1 ـ التهديد بالإحراق:
بعض الأخبار والروايات تقول بأنّ عمر بن الخطّاب قد هدّد
بالإحراق، فكان العنوان الأول التهديد، وهذا ما تجدونه في
كتاب [المصنّف] لابن أبي شيبة، من مشايخ البخاري
المتوفى سنة 235 يروي هذه القضيّة بسنده عن زيد بن
أسلم، وزيد عن أبيه أسلم وهو مولى عمر، يقول:
حين بويع لأبي بكر بعد رسول اللّه، كان علي والزبير يدخلان
على فاطمة بنت رسول اللّه، فيشاورونها ويرتجعون في
أمرهم، فلمّا بلغ ذلك عمر بن الخطّاب، خرج حتّى دخل على
فاطمة فقال: يا بنت رسول اللّه، واللّه ما أحد أحبّ إلينا من
أبيك، وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، وأيم اللّه ما ذاك
بمانعي إنْ اجتمع هؤلاء النفر عندك أن أمرتهم أن يحرّق
عليهم البيت(1).
وفي [تاريخ الطبري] بسند آخر:
«أتى عمر بن الخطّاب منزل علي، وفيه طلحة والزبير [هذه
نقاط مهمّة حسّاسة لا تفوتنّكم، في البيت كان طلحة أيضاً،
الزبير كان من أقربائهم، أمّا طلحة فهو تيميّ ]ورجال من
المهاجرين فقال: واللّه لأُحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة،
فخرج عليه الزبير مصلتاً سيفه، فعثر فسقط السيف من يده،
فوثبوا عليه فأخذوه»(2).
وأنا أكتفي بهذين المصدرين في عنوان التهديد.
لكن بعض كبار الحفّاظ منهم لم تسمح له نفسه لأنْ ينقل
هذا الخبر بهذا المقدار بلا تحريف، لاحظوا كتاب [الاستيعاب]
لابن عبد البر، فإنّه يروي هذا الخبر عن طريق أبي بكر البزّار
بنفس السند الذي عند ابن أبي شيبة، يرويه عن زيد بن
أسلم عن أسلم وفيه: إنّ عمر قال لها: ما أحد أحبّ إلينا بعده
منك، ثمّ قال: ولقد بلغني أنّ هؤلاء النفر يدخلون عليك، ولأن
يبلغني لأفعلنّ ولأفعلن(3).
نفس الخبر، بنفس السند، عن نفس الراوي، وهذا التصرف!
وأنتم تريدون أنْ ينقلوا لكم إنّه أحرق الدار بالفعل؟ وأيُّ عاقل
يتوقّع من هؤلاء أنْ ينقلوا القضيّة كما وقعت؟ إنّ من يتوقّع
منهم ذلك إمّا جاهل وإمّا يتجاهل ويضحك على نفسه!!
(1) المصنّف 7 / 432.
(2) تاريخ الطبري 3 / 202.
(3) الإستيعاب 3 / 975.