نص ما قاله ابن تيميّة:
يقول ابن تيمية: هذا الرجل قد اشتهر عند الخاص والعام أنّه كان وزيراً الملاحدة الباطنية الإسماعيليّة في الألموت، ثمّ لمّا قدم الترك المشركون إلى بلاد المسلمين، وجاؤوا إلى بغداد دار الخلافة، كان هذا منجّماً مشيراً لملك الترك المشركين هولاكو، أشار عليه بقتل الخليفة وقتل أهل العلم والدين، واستبقاء أهل الصناعات والتجارات الذين ينفعونه في الدنيا، وأنّه استولى على الوقف الذي للمسلمين، وكان يعطي منه ما شاء اللّه لعلماء المشركين وشيوخهم من البخشية السحرة وأمثالهم.
وأنّه لمّا بنى الرصد الذي بمراغة على طريقة الصابئة المشركين، كان أبخس الناس نصيباً منه من كان إلى أهل الملل أقرب، وأوفرهم نصيباً من كان أبعدهم عن الملل، مثل الصابئة المشركين ومثل المعطلة وسائر المشركين.
ومن المشهور عنه وعن أتباعه الاستهتار بواجبات الإسلام ومحرّماته، لا يحافظون على الفرائض كالصلوات، ولا ينزعون عن محارم اللّه من الفواحش والخمر وغير ذلك من المنكرات، حتّى أنّهم في شهر رمضان يذكر منهم من إضاعة الصلوات وارتكاب الفواحش وشرب الخمور ما يعرفه أهل الخبرة بهم.
ولم يكن لهم قوّة وظهور إلاّ مع المشركين الذين دينهم شرّ من دين اليهود والنصارى، ولهذا كان كلّما قوي الاسلام في المغل وغيرهم من الترك ضعف أمر هؤلاء، لغرض معاداتهم للإسلام وأهله… .
وبالجملة فأمر هذا الطوسي وأتباعه عند المسلمين أشهر وأعرف من أن يعرّف ويوصف.
ومع هذا، فقد قيل: إنّه في آخر عمره يحافظ على الصلوات الخمس، ويشتغل بتفسير البغوي وبالفقه ونحو ذلك، فإن كان قد تاب من الإلحاد، فاللّه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيّئات، واللّه تعالى يقول: (يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً)(1).
لكنّ ما ذكره هذا، إن كان قبل التوبة لم يقبل قوله، وإن كان بعد التوبة لم يكن قد تاب من الرفض، بل من الإلحاد وحده، وعلى التقديرين فلا يقبل قوله.
والأظهر أنّه إنّما كان يجتمع به وبأمثاله لمّا كان منجّماً للمغل المشركين، والإلحاد معروف من حاله إذ ذاك، فمن يقدح في مثل أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار، ويطعن في مثل إباحة الشطرنج والغناء، كيف يليق به أن يحتجّ لمذهبه بقول مثل هؤلاء الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر، ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله، ولا يدينون دين الحق، من الذين أُوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ويستحلّون المحرّمات المجمع على تحريمها، كالفواحش والخمر في شهر رمضان، الذين أضاعوا الصلاة واتّبعوا الشهوات وخرقوا سياج الشرائع، واستخفوا بمحرّمات الدين، وسلكوا غير طريق المؤمنين… .
لكن هذا حال الرافضة دائماً يعادون أولياء اللّه المتقين، من السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان، ويوالون الكفّار والمنافقين… إلى آخر كلامه(2).
هذا جوابه على استدلال العلاّمة بكلام أُستاذه، الاستدلال الذي ذكرناه، لأنّ الاستدلال قوامه حديث متفق عليه: هو «ستفرق أمّتي» وحديث آخر أيضاً متّفق عليه يقول: لا نجاة إلاّ بركوب سفينة أهل البيت، والنتيجة واضحة.
وهذا جواب ابن تيميّة على هذا الاستدلال!!
لكن علينا أن نبحث عن أصل المسألة التي طلبتم البحث عنها في هذه اللّيلة.
(1) سورة الزمر (39): 53.
(2) منهاج السنّة 3 / 445 ـ 451.