مع الشيخ الصدوق في مسألة سهو النبي
ذهب الشيخ الصدوق(1) رحمه اللّه تبعاً لشيخه في مسألة
سهو النبي إلى مذهب لم يوافقه عليه من أكابر الطائفة أحد،
لا من قبله ولا من بعده، إنه استند إلى رواية ذي الشمالين،
أما سائر علمائنا فقد أخذوا بالرواية القائلة بأن رسول اللّه
لم يسجد سجدتي السهو قط، وكيف يسجد سجدتي السهو
من كان قلبه في الجنان وجسده في العمل، كما عبّر الإمام
أمير المؤمنين؟
بل يقول الشيخ الطوسي رحمه اللّه في كتاب [التهذيب]: إن
ما اشتمل عليه حديث ذي الشمالين من سهو النبي تمتنع
العقول منه(2).
وفي [الاستبصار] يقول: ذلك مما تمنع من الأدلة القاطعة في
أنه لا يجوز عليه السّهو والغلط(3).
وإنّا نستميح الشيخ الصّدوق عذراً فيما إذا أردنا أنْ نقول له:
أنت الذي سهوت، وإن نسبة السهو إلى الشيخ الصدوق في
هذا القول أولى من نسبة السّهو إلى رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وآله وسلم، نظير ما قاله الفخر الرازي في [تفسيره ]
فيما روي في الصحيحين وغيرهما من أن إبراهيم عليه
السّلام كذب ثلاث كذبات، قال الفخر الرازي: نسبة الكذب إلى
الراوي أولى من نسبة الكذب إلى إبراهيم(4).
وأيضاً، نرى أهل السنّة يضطربون أمام حديث الغرانيق وتتضارب
كلماتهم بشدّة، ويتحيّرون ماذا يقولون، لأن حديث الغرانيق
يدلّ على جواز السّهو على الأنبياء بصراحة، وهذا ما نصّ عليه
بعض المفسرين كأبي السعود العمادي في تفسير سورة
الحج(5)، وتحيّروا ماذا يفعلون، لأن طرق هذا الحديث بعضها
صحيح، ودافع عن صحته ابن حجر العسقلاني وغيره(6)، لكن
الحافظ القاضي عياض صاحب كتاب [الشفاء في حقوق
المصطفى](7) وأيضاً القاضي ابن العربي المالكي(8) وأيضاً
الفخر الرازي(9)، هؤلاء يكذّبون هذا الحديث على صحته سنداً
عندهم، لأنه يصادم الأدلة القطعية من العقل والنقل.
لاحظوا عبارة القاضي عياض في كتاب الشفاء يقول: لا شك
في إدخال بعض شياطين الإنس والجن هذا الحديث على
بعض مغفلّي المحدّثين ليلبّس به على ضعفاء المسلمين.
وهذا الكلام يفتح لنا باباً واسعاً يفيدنا في مباحث كثيرة،
ولذلك يأبى مثل العسقلاني أن يقبل هذا التصريح من
القاضي عياض ولا يوافق عليه.
(1) من لا يحضره الفقيه 1 / 234.
(2) التهذيب 2 / 181.
(3) الاستبصار 1 / 371 / ذيل ح 6.
(4) تفسير الرازي 22 / 185، وفيه: فلأن يضاف الكذب إلى
رواته أولى من أن يضاف إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
(5) تفسير أبي السعود (إرشاد العقل السليم) 6 / 114.
(6) فتح الباري 8 / 355.
(7) الشفاء بتعريف حقوق المصطفى 2 / 118، فتح الباري 8 /
355.
(8) فتح الباري 8 / 355.
(9) تفسير الرازي 23 / 50.