بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله خير الخلق أجمعين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين من الأوّلين والآخرين.
موضوع تحريف القرآن لا يكفيه مجلس واحد ولا مجلسان ولا ثلاثة مجالس، إذا أردتم أن نستوعب البحث ونستقصي جوانبه المتعددة المختلفة، أمّا إذا أردتم الإفتاء أو نقل الفتاوى عن الآخرين من كبار علمائنا السابقين والمعاصرين، فأنقل لكم الفتاوى، ولكنّكم تريدون الأدلّة بشيء من التفصيل.
فإليكم الآن صورةً مفيدة عن هذا الموضوع، وباللّه التوفيق.
سلامة القرآن من التحريف
لا ريب ولا خلاف في أنّ القرآن المجيد الموجود الآن بين أيدي المسلمين هو كلام اللّه المنزل على رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلم، وهو المعجزة الخالدة له، وهو الذي أوصى أُمّته بالرجوع إليه، والتحاكم إليه، وأفاد في حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين أنّ القرآن والعترة هما الثقلان اللذان تركهما في أُمّته لئلاّ تضلّ مادامت متمسّكة بهذين الثقلين.
هذا الحديث مروي بهذه الصورة التي أنتم تعلمونها، وفي أحد ألفاظه: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عَلَيّ الحوض»(1).
إلاّ أنّ بعض العامة يروون هذا الحديث بلفظ: «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وسنّتي»(2). وقد تعرضنا له سابقاً، كما أفردنا رسالة خاصة بهذا الحديث، وهي رسالة مطبوعة(3) منتشرة في تحقيق هذا الحديث سنداً، ودلالةً، إلاّ أنّي ذكرته هنا لغرض ما.
أئمّتنا صلوات اللّه عليهم اهتمّوا بهذا القرآن بأنواع الاهتمامات، فأمير المؤمنين أوّل من جمع القرآن، أو من أوائل الذين جمعوا القرآن، وهو والأئمة من بعده كلّهم كانوا يحثّون الأُمة على الرجوع إلى القرآن وتلاوته وحفظه وتعلّمه والتحاكم إليه… .
وهكذا كان شيعتهم إلى يومنا هذا.
والقرآن الكريم هو المصدر الأوّل لاستنباط الأحكام الشرعية عند فقهائنا، يرجعون إلى القرآن في استنباط الأحكام الشرعية واستخراجها.
إذن، هذا القرآن الكريم، هو القرآن الذي أنزله اللّه سبحانه وتعالى، وهو الذي اهتمّ به أئمّتنا سلام اللّه عليهم، وطالما رأيناهم يستشهدون بآياته، ويتمسّكون بها ويستدلّون في أقوالهم المختلفة، فإذا رجعنا إلى الروايات المنقولة، نجد الاهتمام بالقرآن الكريم والاستدلال به في كلماتهم بكثرة، سواء في نهج البلاغة(4) أو في أُصول الكافي(5) أو في سائر كتبنا(6)، والمحدّثون أيضاً عقدوا لهذا الموضوع أبواباً خاصة، ولعلّ في كتاب الوافي(7) أو بحار الأنوار(8) غنىً وكفاية عن أي كتاب آخر، حيث جمعوا هذه الروايات في أبواب تخص القرآن الكريم.
(1) المنتخب من مسند عبد بن حميد: 107، حديث 240، سنن الترمذي 6 / 125، حديث 3788، الدرّ المنثور 7 / 349.
(2) المستدرك على الصحيحين 1 / 93، سنن البيهقي 1 / 114.
(3) الرسالة العاشرة من كتاب الرسائل العشر في الأحاديث الموضوعة في كتب السنة.
(4) أنظر: نهج البلاغة: الخطب: 18، 91، 10، 125، 127، 138، 158، 176، 183، وغيرها، والكتب: 47، 48، 69 وغيرها، وقصار الحكم 228، 313، 399 وغيرها.
(5) أنظر: الكافي 1 / 48، كتاب فضل العلم، باب الردّ إلى الكتاب والسنّة، و 1 / 55 الكتاب نفسه، باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب.
(6) أنظر: الصحيفة السجاديّة مثلاً، الأدعية: 22، المعروف بالحرز الكامل، 23، حرز آخر، 42، دعاؤه (عليه السّلام) في قضاء الحوائج، 109: دعاؤه (عليه السّلام) عند ختم القرآن، 115، دعاؤه (عليه السّلام) إذا دخل شهر رمضان، 116، دعاؤه (عليه السّلام) في سحر كل ليلة من شهر رمضان، 117، دعاؤه (عليه السّلام) في كلّ يوم من شهر رمضان، 141، دعاؤه (عليه السّلام) في اليوم الثلاثين من رمضان، 142، دعاؤه (عليه السّلام) في وداع شهر رمضان، 143، دعاؤه (عليه السّلام) [دعاء آخر ]في وداع شهر رمضان، 144، دعاؤه (عليه السّلام) في يوم الفطر، 180، دعاؤه (عليه السّلام) في الاحتراز عن المخافة، والخلاص من المهالك، 197، دعاؤه (عليه السّلام) في المناجاة للّه عزّوجلّ، 201، دعاؤه (عليه السّلام) في المناجاة، 214، دعاؤه (عليه السّلام) في المناجاة المعروفة بالندبة، 244، دعاؤه (عليه السّلام) في يوم الخميس.
(7) أنظر: الوافي 1 / 265، كتاب العقل والعلم والتوحيد، باب (23)، و1 / 295، الكتاب نفسه، الباب (25).
(8) أنظر: بحار الأنوار 1 / 209، كتاب العلم، باب (6)، و2 / 168، كتاب العلم، باب (22) وغيرهما.