خلاصة البحث
وتلخّص: أنّي لو سئلت عن هذه القضية أقول: إنّ هذه القضية تتلخّص في خطوط:
خطب عمر أُمّ كلثوم من علي، هدّده واعتذر علي، هدّده مرة أُخرى، وجعل يعاود ويكرّر، إلى أن أوكل علي الأمر إلى العباس، وكان فرج غُصب من أهل البيت، فالعقد وقع، والبنت انتقلت إلى دار عمر، وبعد موته أخذ بيدها وأخذها إلى داره.
ليس في هذه الروايات أكثر من هذا، وهذا هو القدر المشترك بين رواياتنا وروايات غيرنا.
أمّا مسألة الدخول، مسألة الولد والأولاد، وغير ذلك، فهذا كلّه لا دليل عليه أبداً.
وقد التفت علماء الفريقين إلى هذا الاستنتاج، وأذكر لكم كلمة من عالم شيعي، وكلمة من عالم من أهل السنة.
يقول النوبختي في كتاب له في الإمامة، والنوبختي من قدماء أصحابنا له كتاب في الإمامة يقول هناك: إنّ أُمّ كلثوم كانت صغيرة، ومات عمر قبل أن يدخل بها.
وهذا ما نقله المجلسي في كتاب [البحار] عن كتاب الإمامة للنوبختي(1).
ويقول الزرقاني المالكي المتوفى سنة 1122 يقول: وأُمّ كلثوم زوجة عمر بن الخطّاب مات عنها قبل بلوغها.
هذا في [شرح المواهب اللدنيّة](2).
فلاحظوا كم كذبوا وكم افتروا وكم وضعوا في هذا الخبر؟ وكم زادوا في القضيّة؟
وليست القضية الاّ خطبة وتهديداً واعتذاراً من علي، ثمّ إلحاحاً وتهديداً من عمر، ثمّ إيكال الأمر إلى العباس، ووقوع العقد، وانتقال البنت إلى دار عمر، ولا أكثر من هذا.
ولو أردت أن أذكرلكم نصوص ما جاء في كتبهم، وخاصة في كتاب الذرية الطاهرة، وفي كتاب الإصابة، والاستيعاب، وأُسد الغابة، لو ذكرت لكم كلّ نصوص رواياتهم في هذه المسألة لطال بنا المجلس وانتهى إلى ليلة أُخرى أيضاً، لكنّي لم أقرأ كلّ النصوص، وإنّما ذكرت لكم النقاط المهمّة في تلك المتون بعد النظر في أسانيد تلك الأخبار.
وهنا فائدة، هذه الفائدة توضّح لنا جانباً من الأمر كما أشرت من قبل:
كان عمر يقصد من هذا أنْ يغطّي على القضايا السابقة، وهذا ما دعاه إلى الخطبة وإلى التهديد وإلى الإرعاب وإلى وإلى، وحتّى وُفّق على أثر التهديدات، وحتّى أنّه في بعض كلماته كما في روايات أهل السنة يصرّح: واللّه إنّي لا أُريد الباه، وإنّما أُريد أن يكون لي نسب بفاطمة.
هذا موجود في مصادرهم.
كلّ ذلك إسكاتا للناس، تغطيةً للقضية، ولئلاّ تنقل القضايا الأُخر، ولهذا المعنى الذي نستنتجه من هذا الخبر شاهد تاريخي أقرؤه لكم:
يقول الشافعي ِمحمّد بن إدريس ـ الإمام الشافعي المعروف ـ يقول: لمّا تزوّج الحجّاج بن يوسف ـ هذا الثقفي ـ ابنة عبد اللّه بن جعفر، قال خالد بن يزيد بن معاوية لعبد الملك بن مروان قال: أتركت الحجاج يتزوج ابنة عبد اللّه بن جعفر؟ قال: نعم، وما بأس في ذلك؟ قال: أشدّ البأس واللّه، قال: وكيف؟ قال: واللّه يا أمير المؤمنين، لقد ذهب ما في صدري على الزبير منذ تزوّجت رملة بنت الزبير، قال: فكأنّه كان نائماً فأيقظته، قال: فكتب إليه يعزم عليه في طلاقها، فطلّقها(3).
فماذا تستفيدون من هذا الخبر؟ إنّ هكذا مصاهرات لها تأثيراتها، فالبنت مثلاً تمرض في بيت زوجها، ولابدّ وأن يأتي أبوها، لابدّ وأن يمرّ عليها إخوتها، ولابد أن يكون هناك ارتباطات واتّصالات، المصاهرات دائماً لها هذه التأثيرات الإجتماعيّة، وهم ملتفتون إلى هذا.
يقول: لمّا تزوّجت ابنة الزبير ذهب ما في صدري على الزبير، ولو تزوّج الحجاج ابنة عبد اللّه بن جعفر ذهب ما بقلب الحجاج من البغض بالنسبة إلى بني هاشم وآل أبي طالب.
فلابدّ وأن يكتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بسرعة ليطلّقها، وأن ينقطع هذا الارتباط والاتصال، ولا ينفتح باب للمراودة بين العشيرتين.
وهذا ما كان يقصده عمر بن الخطاب من خطبته بنت أمير المؤمنين، بعد أنْ فعل ما فعل، وعلي امتنع من أن يزوّجه، إلى أن هدّده واضطرّ الإمام إلى السكوت، وإيكال الأمر إلى العباس، وحصل الأمر بهذا المقدار، وهو وقوع العقد فقط، ولم يكن أكثر من ذلك، ولذلك بمجرّد أن مات عمر جاء علي عليه السّلام وأخذ بيدها وأرجعها إلى بيته.
فلا يستفيدنّ أحد من هذه القضيّة شيئاً من أجل أنْ يغطّي على ما كان، وأن يجعل هذه القضيّة وسيلة للتشكيك أو لتضعيف ما كان، وإنّما هذه القضيّة كانت بهذا المقدار، وعلى أثر التهديد واضطر أمير المؤمنين عليه السّلام، ومن هنا نفهم كيف اضطرّ الامام إلى السكوت عن أمر الخلافة والولاية بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم وذلك ممّا كان.
وصلّى اللّه على محمد وآله الطاهرين.
(1) بحار الأنوار 42 / 91.
(2) شرح المواهب اللدنّيّة 9 / 254.
(3) تاريخ مدينة دمشق 12 / 125.