تنبيهان
الأول: نفي قصد التغلب في البحث العلمي
قبل كلّ شيء، لابدّ من أن أُذكّركم بمطلب ينفعنا في هذا البحث وفي كلّ بحث من البحوث:دائماً يجب أن يكون الذين يبحثون في موضوع من المواضيع العلمية، وبعبارة أُخرى: على كلّ مختلفين في مسألة، سواء كان هناك عالمان يختلفان في مسألة، أو فرقتان وطائفتان تختلفان في مسألة، يجب أن يكونوا ملتفتين وواعين إلى نقطة، وهي أن لا يكون القصد من البحث هو التغلّب على الطرف الآخر بأيّ ثمن، أن لا يحاولوا الغلبة على الخصم ولو على حساب الإسلام والقرآن، دائماً يجب أن يحدّد الموضوع الذي يبحث عنه، ويجب أن يكون الباحث ملتفتاً إلى الآثار المترتّبة على بحثه، أو على الإعلان عن وجهة نظره في تلك المسألة.
لاحظوا لو أنّ السنّيّ إتّهم الطائفة الشيعية كلّها بأنّهم يقولون بنقصان القرآن، فهذا خطأ إن لم يكن هناك تعصّب، إن لم يكن هناك عداء، إن لم يكن هناك أغراض أُخرى، هذا خطأ في البحث.
فيجب على الباحث أن يحدّد موضوع بحثه، فالتحريف بأيّ معنى؟ قلنا: للتحريف معاني متعددة، ثمّ إنّك تنسب إلى طائفة بأجمعها إنّهم يقولون بتحريف القرآن، هل تقصد الشيعة كلّها بجميع فرقها، أو تقصد الشيعة الإمامية الإثني عشرية.
لو قرأت كتاب [منهاج السنة](1) لرأيته يتهجّم على الطائفة الشيعية بأجمعها وبجميع أشكالها وأقسامها وفرقها، إذا سألته بأنّ هذه الأشياء التي تنسبها إلى الشيعة هم لا يقولون بها، فكيف تنسبها إليهم؟ يقول: إنّما قصدت الغلاة منهم! إنه يسبّ الشيعة بأجمعها، ثمّ يعتذر بأنه قد قصد بعضهم، هذا خطأ في البحث إنْ لم يكن غرض، إن لم يكن مرض.
إذن، يجب أن يحدّد البحث، فتقول: في الطائفة الشيعية الإثني عشرية من يقول بتحريف القرآن بمعنى نقصان القرآن، لا أن تقول إنّ الشيعة تقول بتحريف القرآن، ففي الشيعة من لا يقول بتحريف القرآن، في الشيعة من لا يقول بنقصان القرآن، فكيف تنسب إليهم كلّهم هذا القول؟
ولو أنّ شيعيّاً أيضاً بادر وانبرى للدفاع عن مذهبه، وعن عقائده، فاتّهم السنّة كلّهم بأنّهم يقولون بتحريف القرآن، وبنقصانه، إذن، وقع وفاق بين الجانبين من حيث لا يشعرون على أنّ القرآن محرّف وناقص، وهذا ممّا ينتفع به أعداء الإسلام وأعداء القرآن.
فلا يصحّ للشيعي أن ينسب إلى السنّة كلّهم بأنّهم يقولون بتحريف القرآن ونقصانه، كما لا يصحّ للسنّي أن يطرح البحث هكذا.
(1) أنظر: منهاج السنّة 2 / 34.