بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد
وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين من
الأولين والآخرين.
بحثنا في العصمة، وهذا البحث من أهم المباحث الكلامية
والتفسيرية والحديثية، وقد اهتم علماؤنا بهذا البحث منذ قديم
الأيام، كما أن علماء الأشاعرة والمعتزلة أيضاً يهتمّون بهذا
الموضوع في كتبهم.
وعنوان العصمة إنما اتخذ من الروايات الواردة في هذا
الموضوع.
تعريف العصمة
الأصل في معنى هذه الكلمة هو المعنى اللغوي، فإنك إذا
راجعت [لسان العرب] و[تاج العروس] و[الصحاح] للجوهري(1)،
وجدتهم يفسّرون كلمة العصمة بالمنع أو كلمة عَصَم بمَنَعَ.
وهذه المادة استعملت في القرآن الكريم أيضاً في قوله تعالى
عن لسان ابن نوح: (قَالَ سآوِي إلَى جَبَل يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ
قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أمْرِ اللّهِ)(2)، وأيضاً في قوله تعالى: (
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا)(3)، وفي غير هذه
الموارد.
وإذا راجعتم كتب التفسير في ذيل هذه الآيات المباركات،
لوجدتم المفسّرين يفسّرون كلمة العصمة أو مادة العصمة في
مثل هذه الآيات بالتمسّك.
ويقول الراغب: العصم هو الإمساك، الاعتصام الاستمساك(4).
والذي يظهر لي أن بين المسك والتمسك والاستمساك، وبين
المنع، فرقاً دقيقاً ربما لا يلتفت إليه، وهكذا توجد الفروق
الدقيقة بين ألفاظ اللغة العربية، فإن بين «الحفظ» و«المنع»
و«الحجر» و«العصم» وأمثال هذه الألفاظ المتقاربة في
المعنى، توجد فوارق، تلك الفوارق لها تأثير في فهم المطلب
في كلّ مورد تستعمل فيه لفظة من هذه الألفاظ.
فاللّه سبحانه وتعالى قد جعل في المعصوم قوةً، تمنعه كما
يقول أولئك، وتمسكه كما يقول الراغب.
(قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أمْرِ اللّهِ) أي لا مانع من أمر اللّه، أو
لا ماسك من أمر اللّه،، والفرق بينهما دقيق.
تلاحظون، لو أن أحداً أراد أن يسقط من مكان عال ومنعه أحد
من الوقوع يقولون: منعه من الوقوع، لكنْ إذا مدّ يده ومسكه
كان هذا المنع أخص من ذلك المنع الذي ليس فيه مسك.
لا نطيل عليكم، فلتكنْ العصمة بمعنى المنع.
العصمة شرط في النبي بلا خلاف بين المسلمين في
الجملة، وإنما قلت: في الجملة، لأن غير الإمامية يخالفون في
بعض الخصوصيات التي اشترطها واعتبرها الإمامية في
العصمة، كما أن غير الإمامية أيضاً قد اختلفوا فيما بينهم في
بعض الخصوصيّات، إلاّ أن الإجماع قائم بين جميع الفرق من
الإمامية والمعتزلة والأشاعرة على اعتبار العصمة في النبي
بنحو الإجمال.
يشير العلامة الحلي رحمة اللّه عليه إلى رأي الإمامية
بالإجمال وإلى بعض الأقوال الأخرى فيقول:
ذهبت الإمامية كافّة: إلى أن الأنبياء معصومون عن الصغائر
والكبائر، منزّهون عن المعاصي، قبل النبوّة وبعدها، على
سبيل العمد والنسيان، وعن كلّ رذيلة ومنقصة وما يدل على
الخسة والضعة، وخالفت أهل السنة كافّةً في ذلك، وجوّزوا
عليهم المعاصي، وبعضهم جوّزوا الكفر عليهم قبل النبوّة
وبعدها، وجوّزوا عليهم السّهو والغلط، ونسبوا رسول اللّه
صلّى اللّه عليه وآله وسلم إلى السّهو في القرآن بما يوجب
الكفر… ونسبوا إلى النبي كثيراً من النقص(5).
ثم ذكر موارد من ذلك نقلها عن الصحاح وغيرها.
وإذا شئتم الوقوف على تفاصيل هذه الأقوال فعليكم بمراجعة
كتاب ]دلائل الصدق[(6) للشيخ المظفر حيث ذكر تلك الأقوال
في شرح عبارة العلاّمة الحلّي المتقدمة ناقلاً عن المواقف
وشرحها وعن المنخول للغزالي وعن الفصل لابن حزم
الأندلسي، وغير هذه الكتب، ونحن الآن لا نريد الدخول في
هذه التفاصيل.
عرفنا إلى الآن معنى العصمة لغة، وأن العصمة بنحو الإجمال
مورد قبول واتفاق بين المسلمين بالنسبة إلى النبي صلّى
اللّه عليه وآله وسلم أو مطلق الأنبياء.
(1) لسان العرب 12 / 403 «عصم»، تاج العروس 8 / 398،
الصحاح 5 / 1986 «عصم».
(2) سورة هود (11): 43.
(3) سورة آل عمران (3): 103.
(4) مفردات ألفاظ القرآن: 569.
(5) نهج الحق وكشف الصدق: 142.
(6) دلائل الصدق 1 / 604.