بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين من الأوّلين والآخرين.
هناك مسائل في علوم مختلفة تدخل إلى علم الكلام وتكون من المسائل الاعتقاديّة.
فمثلاً: لو بُحث تاريخياً عن أنّه من كان أوّل من أسلم، هذه ربّما تعتبر قضيّة تاريخيّة، لكنّ هذه القضيّة يبحث عنها في علم الكلام أيضاً، وتدخل ضمن المسائل الاعتقاديّة، بلحاظ أنّ لها دخلاً في مسألة الإمامة والخلافة بعد رسول اللّه.
وفي علم الأصول: مسألة هل خبر الواحد حجّة أو لا؟ هذه المسألة مسألة أصوليّة، إلاّ أنّها تأتي إلى علم الكلام ومسائل الإعتقادات، بلحاظ أنّ بعض الروايات التي يستدلّ بها في علم الكلام أخبار آحاد، فلابدّ وأن يبحث في حجيّتها من حيث أنّ خبر الواحد حجّة أو لا؟
وفي علم الفقه مسائل خلافيّة، كمسألة المسح على الرجلين مثلاً كما يقول الإمامية أو غسل الرجلين كما يقول غيرهم، هذه مسألة فقهيّة، وتطرح في علم الكلام وتأتي في المسائل العقائديّة من حيث أنّ في هذه المسألة دوراً لبعض الصحابة أو لبعض الخلفاء، فتأخذ المسألة صبغة كلاميّة عقائديّة.
ومن ذلك مسألة المتعة.
بحث المتعة بحث فقهيّ، إلاّ أنّه أصبح بحثاً كلاميّاً تاريخيّاً مهمّاً، فله دور في مسألة تعيين الإمام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
هذه المسألة لها دخل في صلاحيّة بعض الأصحاب للخلافة وعدم صلاحيتهم لذلك بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
ولذلك نرى أنّ العلماء والفقهاء والمتكلمين من الطرفين اعتنوا بهذه المسألة اعتناء كثيراً منذ القديم، وأُلّفت في هذه المسألة كتب ورسائل، وكتبت مقالات وبحوث، وما زال هذا البحث مطروحاً في الأوساط العلميّة، لا لأنّا نريد أن نتمتّع، وليس من يبحث عن هذه المسألة، يريد إثبات حليّتها أي حليّة المتعة ليذهب ويتمتّع، وإنّما المسألة ـ كما أشرت ـ مسألة ترجع إلى أصل الإمامة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم، لأنّها أصبحت مسألة خلافيّة بين الصحابة وكبار الأصحاب، وأصبحوا على قسمين، منهم من يقول بحليّة المتعة بعد رسول اللّه، ومنهم من قال بعدم جوازها، فنريد أن نبحث عن هذه المسألة لنعرف أنّ الحق مع من؟ وأنّ القائل بالحرمة بأيّ دليل يقول.
لسنا في مقام استعمال المتعة حتّى يقال بأنّكم تصرّون على حليّة المتعة، فلماذا لا تفعلون أو لماذا تكرهون؟ ليس الكلام في هذا، وإلاّ فكلّ من يبحث عن هذه المسألة إمّا مجتهد فيعمل طبق فتواه، وإمّا هو مقلّد فيعمل بحسب فتوى مقلَّده في هذه المسألة ولا نزاع حينئذ.
لكنّ الكلام يرجع إلى مسألة عقيديّة لها دخل في الاعتقادات، ولذا لا يقال أنّ المسألة الكذائيّة تاريخيّة، فلماذا تطرح في علم الكلام، هذا خطأ من قائله، لأنّه لا يدري أو يتجاهل.
فمسألة أوّل من أسلم المشهور أو الثابت حتّى عند غيرنا، أي المحققين المنصفين منهم، أنّ أوّل من أسلم هو أمير المؤمنين عليه السلام، وفي المقابل قول بأنّها خديجة، وقول بأنّه أبو بكر، لكنْ عندما نحقّق نرى روايةً بسند صحيح أنّ أبا بكر إنّما أسلم بعد خمسين نفر، وهذه مسألة لها دخل في الاعتقادات، فلا يقال بأنّها مسألة تاريخيّة فحسب.
تعريف المتعة
متعة النساء هي: أن تزوّج المرأة العاقلة الكاملة الحرّة نفسها من رجل، بمهر مسمّى، وبأجل معيّن، ويشترط في هذا النكاح كلّ ما يشترط في النكاح الدائم، أي لابدّ أن يكون العقد صحيحاً، جامعاً لجميع شرائط الصحّة، لابدّ وأن يكون هناك مهر، لابدّ وأن لا يكون هناك مانع من نسب أو محرميّة ورضاع مثلاً، وهكذا بقيّة الأُمور المعتبرة في العقد الدائم، إلاّ أنّ هذا العقد المنقطع فرقه مع الدائم:
أنّ الدائم يكون الافتراق فيه بالطلاق، والافتراق في هذا العقد المنقطع يكون بانقضاء المدّة أو أن يهب الزوج المدّة المعيّنة.
وأيضاً: لا توارث في العقد المنقطع مع وجوده في الدائم.
وهذا لا يقتضي أن يكون العقد المنقطع شيئاً في مقابل العقد الدائم، وإنّما يكون نكاحاً كذاك النكاح، إلاّ أنّ له أحكامه الخاصّة.
هذا هو المراد من المتعة والنكاح المنقطع، وحينئذ هل هذا النكاح موجود في الشريعة الإسلاميّة أو لا؟ هل هذا النكاح سائغ وجائز في الشريعة؟
نقول: نعم، عليه الكتاب، وعليه السنّة، وعليه سيرة الصحابة والمسلمين جميعاً، عليه الإجماع. وحينئذ إذا ثبت الجواز بالكتاب وبالسنّة عند المسلمين، وبه أفتى الصحابة وفقهاء الأمة بل كانت عليه سيرتهم العمليّة، فيجب على من يقول بالحرمة أن يقيم الدليل.
حينئذ، نقرأ أوّلاً أدلّة الجواز قراءةً عابرة حتّى ندخل في معرفة من حرّم، ولماذا حرّم، وما يمكن أن يكون وجهاً مبرّراً لتحريمه، حتّى نبحث عن ذلك بالتفصيل، وباللّه التوفيق.