العودة إلى بحث عصمة الأئمة:
والآن نعود إلى بحثنا عن عصمة الأئمة من أهل البيت سلام اللّه عليهم، وقد رأينا أن جميع ما يدلّ على عصمة رسول اللّه يدلّ على عصمة الأئمة الأطهار، وكلّ دليل يدلّ على وجوب الإنقياد والطاعة له يدلّ على وجوب الإطاعة للأئمة، وأمثال هذه الأدلة تدلّ على عصمة أئمتنا حتى من السهو والنسيان والخطأ والغلط، وكما بيّنا: إن كلّ الأدلّة الدالّة على إمامة أئمتنا، وأنهم القائمون مقام نبيّنا، وأنهم الذين يملؤون الفراغ الحاصل من رحيله عن هذه الدنيا، كلّ تلك الأدلّة تدلّ على أنهم معصومون حتى من الخطأ والنسيان.
وأما الأحاديث الواردة في هذا الباب فكثيرة، ألا ترون أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم يقول: «من أطاعني فقد أطاع اللّه ومَن عصاني فقد عصى اللّه، ومَن أطاع عليّاً فقد أطاعني ومن عصى عليّاً فقد عصاني»، هذا الحديث أورده الحاكم في [المستدرك] وصحّحه ووافقه الذهبي في [تلخيص المستدرك](1).
وإذا كانت طاعة اللّه وطاعة الرسول وطاعة علي واحدة، فهل من معصية أو سهو أو خطأ يتصوَّر في رسول اللّه وعلي والأئمة الأطهار؟
كما أنكم لو راجعتم التفاسير لوجدتم تصريحهم بدلالة قوله تعالى: (أطِيعُوا اللّهَ وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وأولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)(2) على العصمة، لكنهم لا يريدون أن يعترفوا بأن أولي الأمر هم الأئمة من أهل البيت، فإذا ثبت أن المراد من أولي الأمر في الآية هم أئمة أهل البيت بالأدلّة المتقنة القطعية المقبولة عند الطرفين، فلابدّ وأنْ تدلّ الآية على عصمة أئمتنا.
لكن الفخر الرازي لا يريد أنْ يعترف بهذه الحقيقة; إنّه يقول بدلالة الآية على العصمة لكن يقول بأن المراد من أولي الأمر هم الأمة(3)، أي الأمة تطيع الأمة! أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول، أطيعوا اللّه أيّها الأمة، أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأطيعوا أنفسكم، الأمة تكون مطيعة للأمة، وهل لهذا معنى؟ إنه مما تضحك منه الثكلى.
ومن الطبيعي أنْ يتّبع مثل ابن تيمية الفخر الرازي في هذه الآية المباركة، هذا واضح، وهذا ديدنهم مع كلّ دليل يريدون أن يصرفوه عن الدلالة على إمامة أئمتنا وعصمتهم.
يقول ابن تيمية: لا نسلّم أن الحاجة داعية إلى نصب إمام معصوم، لأن عصمة الأمة مغنية عن عصمته(4).
وكأنّ ابن تيمية لا يدري بأن أكثر صحابة رسول اللّه سيذادون عن الحوض، وما أكثر الفتن، وما أكثر الفساد، وما أكثر الويلات والظلم الواقع في هذه الأمة، وأين عصمة الأمة؟ وإني لأكتفي الآن بذكر حديث أو حديثين، لأن الوقت لا يسع أكثر من ذلك.
(1) المستدرك على الصحيحين 3 / 121.
(2) سورة النساء (4): 59.
(3) تفسير الرازي 10 / 144.
(4) منهاج السنّة 3 / 173، 270.