العصمة في الاصطلاح:
وأما العصمة في الاصطلاح:
قال الشيخ المفيد رحمه اللّه في ]النكت الإعتقادية[: العصمة لطف يفعله اللّه بالمكلف بحيث يمتنع منه وقوع المعصية وترك الطاعة مع قدرته عليهما(1).
ويقول المحقق الشيخ نصير الدين الطوسي في كتاب ]التجريد[: ولا تنافي العصمة القدرة(2).
فأوضح العلاّمة الحلّي في ]شرح التجريد[ معنى هذه الجملة، وذكر أقوال الآخرين(3).
ثم ذكر العلامة الحلّي رحمه اللّه في كتاب ]الباب الحادي عشر[ ما نصه: العصمة لطف بالمكلف بحيث لا يكون له داع إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك(4).
ويضيف بعض علمائنا كالشيخ المظفر في كتاب ]العقائد[: بل يجب أن يكون منزّهاً عمّا ينافي المروّة، كالتبذّل بين الناس من أكل في الطريق أو ضحك عال، وكلّ عمل يستهجن فعله عند العرف العام(5).
فهذا تعريف العصمة عند أصحابنا.
إنهم يجعلون العصمة من باب اللّطف، ويقولون: بأن العصمة حالة معنوية موجودة عند المعصوم بلطف من اللّه سبحانه وتعالى، هذا اللّطف الذي عبّر عنه سبحانه وتعالى بقوله: (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أنْ يُضِلّوكَ)(6).
هذا اللّطف والفضل والرحمة من اللّه سبحانه وتعالى يُمسك المعصوم عن الإقدام على المعصية، وعلى كلّ ما لا يجوز شرعاً أو عقلاً، مع قدرته على ذلك، وكذا عن الإقدام على كلّ ما يتنافى مع النبوة والرسالة، ويكون منفراً عنه عقلاً كما أضاف الشيخ المظفر.
وإذا كان هذا تعريف العصمة، وأنها من اللّطف والفضل والرحمة الإلهية بحقّ النبي، فنفس هذه العصمة يقول بها الإمامية للأئمة الاثني عشر ولفاطمة الزهراء سلام اللّه عليها، فيكون المعصومون عندنا أربعة عشر، وقد رأيت في بعض الكتب أن سلمان الفارسي رضي اللّه تعالى عنه أيضاً معصوم، ولا يهمّنا البحث الآن عن ذلك القول.
وإذا كانت العصمة حالة معنوية باطنة، وهي فضل من اللّه سبحانه وتعالى، فلابدّ وأن يكون الكاشف عن هذه الحالة من قبله سبحانه وتعالى، والكاشف إمّا آية في القرآن، والقرآن مقطوع الصّدور، وإما أن يكون رواية ونصّاً متواتراً أو مقطوع الصدور ومفيداً لليقين عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
ومع وجود هذه الحالة عند الشخص، وإمكان وجوده بين الناس، يقبح عقلاً تقدّم من ليست فيه هذه الحالة يقيناً على الواجد لها.
إذن، لابدّ من كاشف عن وجود هذه الحالة أينما كانت موجودة، وقد أوضحنا بالتفصيل في بحوثنا السابقة على أساس بعض الآيات المباركات والأحاديث المتواترات، وجود العصمة في رسول اللّه وفي فاطمة الزهراء سلام اللّه عليها، وفي أمير المؤمنين وفي الحسنين عليهم السّلام، فآية التطهير دلّت على عصمة هؤلاء، وآية المباهلة دلّت على عصمة أمير المؤمنين، وحديث المنزلة دلّ على عصمته أيضاً، حديث الثقلين دلّ على عصمة الأئمة.
فظهر أن العصمة:
أولاً: حالة معنوية توجد في الإنسان بفضل اللّه سبحانه وتعالى، فلا تكون كسبيّة ولا تحصل بالاكتساب.
ثانياً: لما كانت هذه الحالة بفضل اللّه سبحانه وتعالى وبرحمة منه، وبفضل ولطف، وبفعل منه كما عبّر علماؤنا، فلابدّ من مجيء دليل من قِبَله يكشف عن وجودها في المعصوم، ولذا لا تقبل دعوى العصمة من أي أحد إلاّ وأن يكون يدعمها نصّ أو معجزة يجريها اللّه سبحانه وتعالى على يد هذا المدّعي للعصمة، كما أن أصل النبوة والإمامة أيضاً كذلك، فلا تسمع دعوى النبوة ولا تسمع دعوى الإمامة من أحد إلاّ إذا كان معه دليل قطعي يثبت إمامته أو نبوّته ورسالته.
وعمدة البحث في العصمة أمران:
الأمر الأول: كيف تجتمع العصمة أو هذه الحالة المعنوية الخاصّة مع القدرة على إتيان المنافي.
الأمر الثاني: ما الدليل على العصمة المطلقة التي يدّعيها الإمامية، أي إنهم يدّعون العصمة حتى عن السّهو والخطأ والنسيان.
هذان الأمران عمدة البحث في العصمة.
(1) النكت الإعتقادية: 37 (ضمن مصنفات المفيد ج 10).
(2) تجريد الاعتقاد: 222.
(3) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: 365.
(4) الباب الحادي عشر: 37.
(5) عقائد الامامية: 287 ـ 288.
(6) سورة النساء (4): 113.