الصحابي اصطلاحاً:
إنّماالكلام في المعنى الاصطلاحي والمفهوم المصطلح عليه بين العلماء للفظ الصحابي، هل إذا أطلقوا كلمة الصحابي وقالوا: فلان صحابي، يريدون نفس المعنى اللّغوي، أو أنّهم جعلوا هذا اللفظ لمعنىً خاص يريدونه، فيكون مصطلحاً عندهم؟
بالمعنى اللغوي لا فرق بين أنْ يكون الصاحب مسلماً أو غير مسلم، بين أن يكون عادلاً أو فاسقاً، بين أن يكون برّاً أو فاجراً، يقال: فلان صاحب فلان.
لكن في المعنى الاصطلاحي بين العلماء من الشيعة والسنّة، هناك قيد الإسلام بالنسبة لصحابي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، إنْ لم يكن الشخص مسلماً، فلا يُعترف بصحابيّته، وبكونه من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، فهذا القيد متفق عليه ومفروغ منه.
وهل هناك قيد أكثر من هذا؟ بأن تضيَّق دائرة مفهوم هذه الكلمة أو لا؟
لعلّ خير كلمة وقفت عليها ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في مقدّمة كتابه [الإصابة في معرفة الصحابة]. فإنه يقول:
وأصحّ ما وقفت عليه من ذلك: أنّ الصحابي من لقي النبي صلّى اللّه عليه وسلّم مؤمناً به ومات على الإسلام(1).
في هذا التعريف الذي هو أصح، يكون المنافق صحابيّاً، ويؤيّدون هذا التعريف بما يروونه عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم من أنّه قال في حقّ عبد اللّه بن أُبي المنافق المعروف: «فلعمري لنحسننّ صحبته مادام بين أظهرنا»، فيكون هذا المنافق صحابيّاً، وهذا موجود في [الطبقات] لابن سعد وغيره من الكتب(2).
فإذن، يكون التعريف الأصح عامّاً، يعمُّ المنافق والمؤمن بالمعنى الأخصّ، يعمّ البرّ والفاجر، يعمّ من روى عن رسول اللّه، يعمّ من عاشر رسول اللّه ولازَمه ومن لم يعاشره ولم يلازمه ومن لم يرو عنه، لأنّ المراد والمقصود والمطلوب هو مجرّد الإلتقاء برسول اللّه، ولذا يقولون بأنّ مجرَّد رؤية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم محققة للصحبة، مجرّد الرؤية! يقول الحافظ ابن حجر: وهذا التعريف مبني على الأصح المختار عند المحققين، كالبخاري وشيخه أحمد بن حنبل ومن تبعهما، ووراء ذلك أقوال أُخرى شاذة.
فيكون هذا القول هو القول المشهور المعروف بينهم.
ثمّ يقول ابن حجر في الطريق إلى معرفة كون الشخص صحابيّاً: يعرف كون الشخص صحابياً لرسول اللّه بأشياء، أوّلها: أن يثبت بطريق التواتر أنّه صحابي، ثمّ بالاستفاضة والشهرة، ثمّ بأنْ يروى عن أحد من الصحابة أنّ فلاناً له صحبة، ثمّ بأنْ يقول هو إذا كان ثابت العدالة والمعاصرة: أنا صحابي.
وهذا طريق معرفة كون الشخص صحابيّاً لرسول اللّه، التواتر ثمّ الشهرة والاستفاضة، ثمّ قول أحد الصحابة، ثمّ دعوى نفس الشخص ـ بشرط أنْ يكون عادلاً وبشرط المعاصرة ـ أن يقول: أنا صحابي.
وحينئذ، يبحثون: هل الملائكة من جملة صحابة رسول اللّه؟ هل الجنّ من جملة صحابة رسول اللّه؟ هل الذي رأى رسول اللّه ميّتاً ـ أي رأى جنازة رسول اللّه ولو لحظةً ـ هو صحابي أو لا؟
فمن كان مسلماً ورأى رسول اللّه ومات على الإسلام فهو صحابي.
والإسلام ماذا؟ شهادة أنْ لا إله إلاّ اللّه، وشهادة أنّ محمّداً رسول اللّه.
فكلّ من شهد الشهادتين، ورأى رسول اللّه ولو لحظةً، ومات على الشهادتين، فهو صحابي.
فلاحظوا، كيف يكون قولهم بعدالة الصحابة أجمعين، كأنّهم سيقولون بعدالة كلّ من كان يسكن مكة، وكلّ سكّان المدينة المنورة، وكلّ من جاء إلى المدينة أو إلى مكّة والتقى برسول اللّه ولو لحظة، رأى رسول اللّه ورجع إلى بلاده، فهو صحابي، وإذا كان صحابيّاً فهو عادل.
ولذا يبحثون عن عدد الصحابة، وينقلون عن بعض كبارهم أنّ عدد الصحابة ممّن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة.
وهنا يعلّق بعضهم ويقول: بأنّ أبا زرعة الرازي الذي قال هذا الكلام قاله في من رآه وسمع منه، أمّا الذي رآه ولم يسمع فأكثر وأكثر من هذا العدد بكثير.
توفّي النبي ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان، من رجل وامرأة، قاله أبو زرعة.
فقال ابن فتحون في ذيل الاستيعاب: أجاب أبو زرعة بهذا سؤال من سأله عن الرواة خاصة، فكيف بغيرهم(3)!
إذن، عرفنا سعة دائرة مفهوم الصحبة والصحابي، وعرفنا أنّ مصاديق هذا المفهوم لا يعدّون كثرةً، ومع ذلك نراهم يقولون بعدالة الصحابة أجمعين، وهذا هو القول المشهور بينهم، وربما أُدّعي الإجماع على هذا القول كما سيأتي.
(1) الإصابة 1 / 10.
(2) طبقات ابن سعد 2 / 65، سيرة ابن هشام 3 / 305 ـ وغيرهما.
(3) الاصابة 1 / 3.