بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين من الأوّلين والآخرين.
بحثنا في الشهادة بولاية أمير المؤمنين في الأذان.
تارة: نبحث عن هذه المسألة فيما بيننا نحن الشيعة الإماميّة الإثني عشريّة، وتارة: نجيب عن سؤال يردنا من غيرنا وعن خارج الطائفة، ويكون طرف البحث من غير أصحابنا.
فمنهج البحث حينئذ يختلف.
أمّا في أصحابنا، فلم أجد أحداً، لا من السّابقين ولا من اللاّحقين، من كبار فقهائنا ومراجع التقليد، لم أجد أحداً يفتي بعدم جواز الشهادة بولاية أمير المؤمنين في الأذان، ومن يتتبع ويستقصي أقوال العلماء منذ أكثر من ألف سنة وإلى يومنا هذا، ويراجع كتبهم ورسائلهم العمليّة، لا يجد فتوى بعدم جواز هذه الشهادة.
فلو ادّعى أحد أنّه من علماء هذه الطائفة، وتجرّأ على الفتوى بالحرمة، أو التزم بترك الشهادة هذه، فعليه إقامة الدليل القطعي الذي يتمكّن أن يستند إليه في فتواه أمام هذا القول، أي القول بالجواز، الذي نتمكّن من دعوى الإجماع عليه بين أصحابنا.
وكلامنا مع من هو لائق للإفتاء، وله الحق في التصدّي لهذا المنصب، أي منصب المرجعية في الطائفة، وأمّا لو لم يكن أهلاً لذلك، فلا كلام لنا معه أبداً.
أمّا أصحابنا بعد الإتّفاق على الجواز:
منهم من يقول باستحباب هذه الشهادة في الأذان، ويجعل هذه الشهادة جزءاً مندوباً من أجزاء الأذان، كما هو الحال في القنوت بالنسبة إلى الصلاة، وهؤلاء هم الأكثر الأغلب من أصحابنا.
وهناك عدّة من فقهائنا يقولون بالجزئيّة الواجبة، بحيث لو تركت هذه الشهادة في الأذان عمداً، لم يثب هذا المؤذّن على أذانه أصلاً ولم يطع الأمر بالأذان.
ومن الفقهاء من يقول بأنّ الشهادة الثالثة أصبحت منذ عهد بعيد من شعائر هذا المذهب.
معنى الأذان والشهادة وولاية عليّ
قبل الورود في البحث، عنوان بحثنا: الشهادة بولاية أمير المؤمنين في الأذان، فما هو الأذان؟ وما هي الشهادة؟ وما المراد من ولاية علي عليه السّلام؟
«الأذان»: هو في اللغة العربية وفي القرآن والسنّة وفي الاستعمالات الفصيحة: الإعلان، والإعلام، (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بالْحَجِّ)(1) أي أعلمهم بوجوب الحج، وأعلن وجوب الحج (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ)(2) أي أعلن ونادى مناد بينهم، وهكذا في الاستعمالات الأُخرى.
فالأذان أي الإعلان.
«الشهادة»: هي القول عن علم حاصل عن طريق البصر أو البصيرة، ولذا يعتبر في الشهادة أن تكون عن علم، فالشهادة عن ظنّ وشك لا تعتبر، فلو قال أشهد بأنّ هذا الكتاب لزيد وسُئل أتعلم؟ فإن قال: لا، أظن، ترد شهادته.
وهذا العلم تارةً: يكون عن طريق البصر فالإنسان يرى بعينه أنّ هذا الكتاب مثلاً اشتراه زيد من السوق فكان ملكه، وتارة: يشهد الإنسان بشيء ولكنّ ذلك الشيء لا يُرى وإنّما يراه بعين البصيرة فيشهد، كما هو الحال في الشهادة بوحدانيّة اللّه سبحانه وتعالى وبالمعاد والقيامة وغير ذلك من الأُمور التي يعلم الإنسان بها علماً قطعيّاً، فيشهد بتلك الأُمور.
«ولاية أمير المؤمنين»: يعني القول بأولويّته بالناس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم بلا فصل.
فإذا ضممنا هذه الأُمور الثلاثة، لاحظوا، إذنْ، نعلن في الأذان، نعلن ونخبر الناس إخباراً عامّاً: بأنّا نعتقد بأولويّة علي بالناس بعد رسول اللّه.
هذا معنى الشهادة بولاية علي في الأذان، أي نقول للناس، نقول لأهل العالم، بأنّا نعتقد بولاية علي، بأولويته بالناس بعد رسول اللّه.
وهذا القول قول عام، نعلن عنه على المآذن وغير المآذن، ونسمع العالمين بهذا الاعتقاد.
وهذا الاعتقاد الذي نحن عليه لم يكن اعتقاداً جزافياً اعتباطياً، وإنّما هناك أدلّة تعضد هذا الاعتقاد وتدعمه، فنعلن عن هذا الاعتقاد للعالمين، ونتّخذ الأذان وسيلة للإعلان عن هذا الاعتقاد.
(1) سورة الحج (22): 27.
(2) سورة الأعراف (7): 44.