الرواية الرابعة:
عن حذيفة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم: «لو علم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سمّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد، قال اللّه تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأشْهَدَهُمْ عَلى أنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)(1) قالت الملائكة: بلى، فقال: أنا ربّكم، محمّد نبيّكم، علي أميركم».
فهذا ميثاق أخذه اللّه سبحانه وتعالى.
والرواية في [فردوس الأخبار] للديلمي(2).
ذكرت هذه الروايات من كتب السنّة، لتكون مؤيّدة لرواية الإحتجاج، بعد البحث عن سندها ودلالتها.
نرجع إلى أصل المطلب:
قال الشيخ الطوسي رحمه اللّه في كتاب [النهاية]: فأمّا ما روي في شواذ الأخبار من القول إنّ عليّاً ولي اللّه وآل محمّد خير البريّة، فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة، فمن عمل به كان مخطئاً.
هذه عبارته في النهاية(3).
وماذا نفهم من هذه العبارة؟ أنّ هناك بعض الروايات الشاذة تقول بأنّ الشهادة بولاية أمير المؤمنين من الأذان، لكنّ الشيخ يقول: هذا ممّا لا يعمل عليه، ثمّ يقول: فمن عمل به كان مخطئاً.
إذن، عندنا روايات أو رواية شاذة تدلّ على هذا المعنى، لكنّ الشيخ يقول لا نعمل بها، الشاذ من الروايات في علم دراية الحديث، لو تراجعون الكتب التي تعرّف الشاذ من الأخبار والشذوذ، يقولون الشاذ من الخبر هو الخبر الصحيح الذي جاء في مقابل أخبار صحيحة وأخذ العلماء بتلك الأخبار، فهو صحيح سنداً لكنّ العلماء لم يعملوا بهذا الخبر، وعملوا بالخبر المقابل له، وهذا نصّ عبارة الشيخ، ممّا لا يعمل عليه.
إذن، عندنا رواية معتبرة تدلّ على هذا، والشيخ الطوسي لا يعمل، يقول: ممّا لا يعمل به، ثمّ يقول: فمن عمل به كان مخطئاً.
ومقصوده من هذا: أنّ الرواية تدلّ على الجزئيّة بمعنى وجوب الإتيان، وهذا ممّا لا عمل عليه.
هذا صحيح، وبحثنا الآن في الجزئيّة المستحبّة.
ولاحظوا عبارته في كتابه الآخر، أي في كتاب [المبسوط]، الذي ألّفه بعد النهاية يقول هناك: فأمّا قول أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين وآل محمّد خير البريّة على ما ورد في شواذ الأخبار، فليس بمعوّل عليه في الأذان، ولو فعله الإنسان لم يأثم به(4).
فلو كان الخبر ضعيفاً أو مؤدّاه باطلاً لم يقل الشيخ: لم يأثم به.
معنى هذا الكلام أنّ السند معتبر، ولكن لا يعوّل عليه، بأن يؤتى بالشهادة الثالثة بقصد الجزئيّة الواجبة، وأمّا بقصد الجزئيّة المستحبّة فلا إثم فيه، فيؤتى بها غير أنها ليست من فصول الأذان.
فهذه إذن رواية صحيحة، غير أنهم لا يأخذون بها بقصد الجزئية الواجبة، هذا صحيح، وبحثنا في الجزئيّة المستحبّة.
رواية أُخرى في [غاية المرام]: عن علي بن بابويه الصدوق، عن البرقي، عن فيض بن المختار ـ هذا ثقة والبرقي ثقة، وابن بابويه معروف ـ عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، عن أبيه، عن جدّه رسول اللّه، في حديث طويل، قال: «يا علي ما أكرمني بكرامة ـ أي اللّه سبحانه وتعالى ـ إلاّ أكرمك بمثلها».
الروايات السابقة التي رويناها عن الشيخ الطوسي وغير الشيخ الطوسي تكون نصّاً في المسألة، لكن هذه الرواية التي قرأتها الآن تدل بالعموم والإطلاق، لأنّ ذكر رسول اللّه في الأذان من إكرام اللّه سبحانه وتعالى لرسول اللّه، من جملة إكرام اللّه سبحانه وتعالى لرسوله أنْ جعل الشهادة بالرسالة في الأذان «وما أكرمني بكرامة إلاّ أكرمك بمثلها»، فتكون النتيجة: إكرام اللّه سبحانه وتعالى عليّاً بذكره والشهادة بولايته في الأذان.
وسأذكر لكم بعض النصوص المؤيدة من كتب السنّة أيضاً.
رواية أُخرى يرويها السيد نعمة اللّه الجزائري المحدّث، عن شيخه المجلسي، مرفوعاً، هذه الرواية مرفوعة عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم: «يا علي إنّي طلبت من اللّه أنْ يذكرك في كلّ مورد يذكرني فأجابني واستجاب لي».
في كلّ مورد يذكر رسول اللّه يذكر علي معه، والأذان من جملة الموارد، ويمكن الاستدلال بهذه الرواية.
ومن شواهدها من كتب السنّة:
قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلم لعلي: «ما سألت ربّي شيئاً في صلاتي إلاّ أعطاني، وما سألت لنفسي شيئاً إلاّ سألت لك».
هذا في [الخصائص](5) للنسائي، وفي [مجمع الزوائد](6)، وفي [الرياض النضرة](7)، وفي [كنز العمال](8).
حديث آخر: «أحبّ لك ما أحبّ لنفسي وأكره لك ما اكره لنفسي».
هذا في [صحيح الترمذي](9).
ومن الروايات: ما يرويه الشيخ الصدوق في [أماليه]، بسنده عن الصادق عليه السلام، قال: إنّا أوّل أهل بيت نوّه اللّه بأسمائنا، إنّه لمّا خلق اللّه السماوات والأرض أمر منادياً فنادى: أشهد أنْ لا إله إلاّاللّه ـ ثلاثاً ـ وأشهد أنّ محمّداً رسول اللّه ـ ثلاثاً ـ وأشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً ثلاثاً(10).
في الشهادة بولاية أمير المؤمنين توجد كلمة حقّاً حقّاً، وهذا إنّما هو لدفع المخالفين دفعاً دفعاً!!
وفي [البحار]، عن الكليني رحمه اللّه في كتاب الروضة، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم: «من قال لا إله إلاّ اللّه تفتّحت له أبواب السماء، ومن تلاها بمحمّد رسول اللّه تهلّل وجه الحق واستبشر بذلك، ومن تلاها بعلي ولي اللّه غفر اللّه له ذنوبه ولو كانت بعدد قطر المطر»(11).
وفي رواية ـ وهذه الرواية عجيبة إنصافاً ـ إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم بعد أنْ وضعوا فاطمة بنت أسد في القبر، لقّنها بنفسه، فكان ممّا لقّنها به ولاية علي بن أبي طالب ولدها.
هذا في [خصائص أمير المؤمنين](12) للشريف الرضي، وفي [الأمالي](13)للصدوق.
وأرى أنّ هذا الخبر هو قطعي، هذا باعتقادي، وحتّى فاطمة بنت أسد يجب أن تكون معتقدة بولاية أمير المؤمنين وشاهدة بذلك وتسأل عن ذلك أيضاً.
هذه بعض الروايات التي يستدلّ بها أصحابنا في هذه المسألة، منها ما هو نص وارد في خصوص المسألة، ومنها ما هو عام ومطلق، وهناك روايات كثيرة عن طرق أهل السنّة في مصادرهم المعتبرة تعضد هذه الروايات وتؤيدها وتقويها في سندها ودلالاتها.
وحينئذ نقول بأنّ هذه الروايات إنْ كانت دالّة على استحباب الشهادة بولاية أمير المؤمنين في الأذان ـ إمّا بالنّص، وإمّا بانطباق الكبريات والإطلاقات على المورد، ونستدلّ عن هذا الطريق ونفتي ـ فبها، ولو تأمّل ولم يوافق، لا على ما ورد نصّاً، ولا على ما ورد عامّاً ومطلقاً، فحينئذ يأتي دور الطريق الآتي.
(1) سورة الأعراف (7): 172.
(2) فردوس الأخبار للديلمي 3 / 399.
(3) النهاية في مجرّد الفقه والفتاوي: 69.
(4) المبسوط في فقه الإماميّة 1 / 99.
(5) خصائص أمير المؤمنين عليه السلام: 126.
(6) مجمع الزوائد 9 / 110.
(7) الرياض النضرة 2 / 213.
(8) كنز العمّال 13 / 113.
(9) صحيح الترمذي 2 / 79.
(10) الأمالي للشيخ الصدوق: 701، حديث 956.
(11) بحار الأنوار 38 / 318.
(12) خصائص الأئمة عليهم السلام للشريف الرضي: 35.
(13) الأمالي للشيخ الصدوق: 391.