الرواية الثانية عشرة:
عن جابر بن عبداللّه الأنصاري كذلك.
أخرجها الطبراني في [الأوسط] وعنه العيني(1).
وهناك أحاديث وآثار أُخرى لا أُطيل عليكم بذكرها، وإلاّ فهي موجودة عندي وجاهزة.
ومن هنا نرى أنّهم يعترفون بذهاب كثير من الصحابة والتابعين إلى المسح.
لاحظوا أنّه اعترف بذلك ابن حجر العسقلاني في [فتح الباري]، وابن العربي في [أحكام القرآن]، وابن كثير في [تفسيره]، هؤلاء كلّهم اعترفوا بذهاب جماعة من الصحابة والتابعين والسلف إلى المسح، وفي [بداية المجتهد] لابن رشد: ذهب إليه قوم، أي المسح(2).
وأمّا رأي محمّد بن جرير الطبري صاحب التاريخ والتفسير، فقد نقلوا عنه الردّ على القول بتعيّن الغسل، وهذا القول عنه منقول في تفاسير: الرازي والبغوي والقرطبي وابن كثير والشوكاني في ذيل آية الوضوء، وكذا في أحكام القرآن، وفي ]شرح المهذّب[ للنووي، والمغني لابن قدامة أيضاً، وفي غيرها من الكتب(3).
وإلى الآن ظهردليل القول بالمسح من الكتاب والسنّة، على أساس كتب السنّة ورواياتهم، وظهر أنّ عدّة كثيرة من الصحابة والتابعين يقولون بتعيّن المسح، ويروون هذا الحديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم، فإذا فشل القوم من إثبات مذهبهم ـ الغسل ـ عن الكتاب والسنّة ماذا يفعلون؟
القرآن لا يمكنهم تكذيبه، لكنَّ الروايات يكذّبونها:
في [روح المعاني] للآلوسي: إنّ هذه الروايات كذب…!! وسأقرأ لكم نصّ عبارة الآلوسي في ذلك.
أمّا ابن حجر العسقلاني، ففي [فتح الباري](4) يقول: نعم، الكتاب والسنّة يدلاّن على المسح وإنّ كثيراً من الصحابة قالوا بالمسح، لكنّهم عدلوا عن هذا الرأي.
ومن أين عدلوا؟ لا يوضّح هذا ولا يذكر شيئاً!!
ومنهم: من يناقش في بعض أسانيد هذه الأحاديث كي يتمكّن من ردّها، وإلاّ لخسر الكتاب والسنة كليهما، فهؤلاء مشوا على هذا الطريق، وسأذكر بعضهم.
ومنهم: الذين حرّفوا هذه الأحاديث ـ الأحاديث الدالّة على المسح ـ وجعلوها دالّة على الغسل، وهذه طريقة أُخرى، سجّلت بعضهم وبعض ما فعلوا.
فمثلاً في إحدى الروايات عن علي عليه السلام، الرواية التي قرأناها، كانت تلك الرواية دالّة على المسح، فجعلوها دالّة على الغسل، يقول الراوي: إنّ عليّاً مسح رجليه، فحُرّف إلى: غسل رجليه، فارجعوا إلى [كنز العمال](5) وقارنوا بين هذا الخبر في هذه الصفحة وبين رواية أحمد(6)، وأيضاً الطحاوي في [معاني الآثار](7).
ومن ذلك أيضاً الحديث الذي قرأناه عن حمران مولى عثمان، فقد حرّفوه وجعلوه دالاًّ على الغسل، فبدلوا قوله: إنّه مسح على قدميه، وجعلوا اللّفظ: غسل قدميه، وهذا الحديث في [مسند أحمد](8).
وأكتفي بهذا المقدار لأنّ هناك بحوثاً أُخرى.
(1) المصدر 2 / 364.
(2) بداية المجتهد 1 / 16.
(3) تفسير القرطبي 6 / 92، فتح القدير للشوكاني 2 / 18، المجموع 1 / 417، المغني في الفقه 1 / 121.
(4) فتح الباري 1 / 232.
(5) كنز العمّال 9 / 448.
(6) مسند أحمد 1 / 157.
(7) شرح معاني الآثار 1 / 34.
(8) مسند أحمد 1 / 58 و 61.