التحريف بالنقصان حسب الأقوال
وأمّا على صعيد الأقوال، فنحن وهم متفقون على أنّ القرآن الكريم سالم من النقصان، وليس فيه أي تحريف بمعنى النقصان، ولم يقع فيه أي نقيصة، هذا متفق عليه بين الطائفتين، ولا يُعبأ بالشذوذ الموجود عندنا وعندهم.
فالقرآن مصون من التحريف، سالم من النقيصة، ليس بيننا وبين الفِرق الأُخرى من المسلمين خلاف في أنّه القرآن العظيم الكريم الذي يجب أن يُتلى، يجب أن يتّبع، يجب أن يتحاكم إليه، يجب أن ينشر، يجب أن يُدرس، ويحرم هتكه، هذا هو القرآن.
إلاّ أنّ في ثنايا أحاديثهم ما يضرّ بهذا القرآن، ممّا نُقل عن عثمان بسند صحيح: «أنّ فيه لحناً»(1)، وعن ابن عبّاس: «أنّ فيه خطأ»(2)، وعن آخر: «أنّ فيه غلطاً»(3)، وهذه الأشياء غير موجودة في رواياتنا أبداً، والمحققون من أهل السنّة يعرضون عن هذه النقول، وقول بعض الصحابة: حسبنا كتاب اللّه، فالغرض منه شيء آخر، كان الغرض من هذه المقولة عزل الأُمّة عن العترة الطاهرة، وعزل العترة عن الأُمّة، وعلى فرض صحّة الحديث القائل: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وسنّتي، فقد عزلوا السنّة عن الأُمّة والأُمّة عن السنّة أيضاً عندما قالوا: حسبنا كتاب اللّه، لكنّ قولهم حسبنا كتاب اللّه يقصد منه شيء آخر أيضاً، أليس الولد قد رماه ومزّقه، ألم يقل:
إذا ما جئت ربّك يوم حشر *** فقل يا ربّ مزّقني الوليد(2)
أليس عبد الملك بن مروان الذي هو خليفة المسلمين عندهم، عندما أُخبر أو بُشّر بالحُكم وكان يقرأ القرآن قال: هذا فراق بيني وبينك(3)؟!
إذن، لم يبق القرآن كما لم تبق العترة ولم تبق السنّة.
أكانت هذه الخطّة مدبّرة أو لا؟ عن عمد قال القائل كذا وانتهى الأمر إلى كذا؟ لكنّ اللّه سبحانه وتعالى يقول: (أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ)(4).
(1 – 3) أنظر: كنز العمّال 2 / 587، حديث 4785، تفسير الرازي 22 / 75، الدرّ المنثور 2 / 246، وفيات الأعيان 3 / 468، الوافي بالوفيات 8 / 152 ومصادر أخرى.
(2) الطرائف: 167، تفسير القرطبي 9 / 350.
(3) تاريخ بغداد 10 / 389، تاريخ مدينة دمشق 37 / 128.
(4) سورة آل عمران (3): 144.