الاستدلال بحديث كيفية وضوء رسول اللّه و مناقشته:
وأمّا الحديث الثاني، الحديث الذي يروونه في كيفية وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، استدلّوا به على الغسل دون المسح، وهو الحديث الذي يرويه حمران عن عثمان بن عفّان.
فظهر أنّ الحديث الذي يروونه عن حمران بن عثمان بن عفّان يروونه على شكلين:
تارة يدلّ على المسح، وتارة يدلّ على الغسل، والسند نفس السند والراوي حمران نفسه.
النصّ في البخاري: حدّثنا عبدالعزيز بن عبداللّه الأويسي، حدّثني إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب ـ هذا الزهري ـ أنّ عطاء بن يزيد أخبره: أنّ حمران مولى عثمان أخبره: أنّه رأى عثمان بن عفّان دعا بإناء فأفرغ على كفّه ثلاث مرّات فغسلهما، ثمّ أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنشق، ثمّ غسل وجهه ثلاثاً ويديه إلى المرافق ثلاث مرّات، ثمّ مسح برأسه ثمّ غسل رجليه [والحال قرأنا: مسح رجليه] ثمّ غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين، ثمّ قال: قال رسول اللّه: «من توضّأ نحو وضوئي هذا ثمّ صلّى ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه، غفر اللّه ما تقدّم من ذنبه».
هذا الحديث في [البخاري بشرح ابن حجر](1) وفي [مسلم] أيضاً بنفس السند عن الزهري، عن عطاء، عن حمران، عن عثمان بن عفّان.
وإذا لاحظتم الإسناد، عبدالعزيز بن عبداللّه الأويسي: مذكور في ]المغني في الضعفاء[ للذهبي(2)، وقال أبو داود: ضعيف، وذكره ابن حجر العسقلاني في [مقدّمة فتح الباري] فيمن تكلّم فيه(3).
ثمّ إبراهيم بن سعد: ذكره ابن حجر فيمن تكلّم فيه(4)، وأورده ابن عدي في [الكامل في ضعفاء الرجال](5)، وعن أحمد كأنّه بحديثه غضب عليه عثمان فنفاه(6)، وأورده البخاري في [الضعفاء].
وكذا الكلام في سند حديث مسلم وهو ينتهي إلى حمران أيضاً.
وبعد التنزّل عن المناقشة السنديّة في هذا الحديث المخرّج في الصحيحين، والتسليم بصحة هذا السند، تكون رواية حمران الدالّة على الغسل معارضة لرواية حمران الدالّة على المسح، ويكون الخبران متعارضين، حينئذ يعرضان على الكتاب، وقد رأينا الكتاب دالاًّ على المسح دون الغسل، فالكتاب إذن يكذّب ما يدلّ على الغسل.
(1) صحيح البخاري 1 / 48، صحيح مسلم 1 / 141، فتح الباري 1 / 208.
(2) المغني في الضعفاء، ميزان الإعتدال 2 / 630.
(3) هدى الساري: 419.
(4) المصدر: 385.
(5) الكامل في الضعفاء 1 / 124، 246.
(6) أنظر: ميزان الإعتدال 1 / 604، تهذيب التهذيب 3 / 21.