الاستدلال بالكتاب و السنّة على عدالة جميع الصحابة:
استدلّ القائلون بهذا القول، بآيات من القرآن الكريم، وبأحاديث، وبأمر اعتباري، فتكون وجوه الاستدلال لهذا القول، ثلاثة وجوه: الكتاب، السنّة، والأمر الاعتباري.
لنقرأ نصّ عبارة الحافظ ابن حجر، عن الحافظ الخطيب البغدادي، في مقام الاستدلال على هذه الدعوى.
يقول الحافظ ابن حجر: أنّ الخطيب في [الكفاية] ـ يعني: كتابه الكفاية في علم الدراية ـ أفرد فصلاً نفيساً في ذلك فقال:
عدالة الصحابة ثابتة معلومة، بتعديل اللّه لهم، وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم، فمن ذلك قوله تعالى:
الآية الأُولى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(1).
الآية الثانية: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمَّةً وَسَطاً)(2).
الآية الثالثة: (لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ)(3).
الآية الرابعة: (السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَْنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإحْسَان رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)(4).
الآية الخامسة: (يَا أيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(5).
ثمّ الآية الأُخرى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) إلى قوله تعالى: (إنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ)(6)، في آيات يطول ذكرها.
ثمّ أحاديث شهيرة، يكثر تعدادها، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم، ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل اللّه له إلى تعديل أحد من الخلق(7).
إذن، تمّ الاستدلال بالكتاب والسنّة.
وأمّا الإستدلال الاعتباري، لاحظوا هذا الاستدلال، إنّه يقول:
على أنّهم لو لم يرد من اللّه ورسوله فيهم شيء ممّا ذكرناه، لأوجبت الحال التي كانوا عليها، من الهجرة والجهاد ونصرة الإسلام وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأبناء، والمناصحة في الدين وقوّة الإيمان واليقين، أوجب كلّ ذلك القطع على تعديلهم، والإعتقاد بنزاهتهم، وأنّهم كافّةً أفضل من جميع الخالفين بعدهم، والمعدّلين الذين يجيؤون من بعدهم، هذا مذهب كافّة العلماء ومن يعتمد قوله.
ثمّ روى الخطيب البغدادي بسنده إلى أبي زرعة الرازي قال: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم فاعلم أنّه زنديق، وذلك أنّ الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنّما أدّى إلينا ذلك كلّه الصحابة، وهؤلاء يريدون أنْ يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنّة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة(8).
إذن، الدليل آياتٌ من القرآن، وروايات، وهذا الدليل الاعتباري الذي ذكرناه.
نصّ العبارة ينقلها الحافظ ابن حجر ويعتمد عليها، ثمّ يضيف الحافظ ابن حجر بعد هذا النص، يقول: والأحاديث الواردة في تفضيل الصحابة كثيرة.
وفرق بين هذه العبارة، وبين المدعى فكان المدّعى عدالة الصحابة كلهم، لكنْ تبدّل العنوان، وأصبح المدّعى: الأحاديث الواردة في تفضيل الصحابة كثيرة.
ثم قال ابن حجر: من أدلّها على المقصود، ما رواه الترمذي وابن حبّان في صحيحه من حديث عبد اللّه بن مغفل قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم: «اللّه اللّه في أصحابي، لا تتّخذوهم غرضاً، فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللّه، ومن آذى اللّه فيوشك أنْ يأخذه»(9).
فهذا حديث من تلك الأحاديث التي أشار إليها الخطيب البغدادي، ولم يذكر شيئاً منها، إلاّ أنّ أدلّها وأحسنها في نظر ابن حجر العسقلاني هذا الحديث الذي ذكره.
(1) سورة آل عمران (3): 110.
(2) سورة البقرة (2): 143.
(3) سورة الفتح (48): 18.
(4) سورة التوبة (9): 100.
(5) سورة الأنفال (8): 64.
(6) سورة الحشر (59): 8 ـ 10.
(7) الإصابة 1 / 6 عن الكفاية في علم الرواية: 46.
(8) الكفاية في علم الرواية: 1046.
(9) الاصابة 1 / 10.