الاستدلال بالسنّة على استحباب الشهادة
بالولاية في الأذان
في بعض كتب أصحابنا، عن كتاب ]السلافة في أمر الخلافة[، للشيخ عبد اللّه المراغي المصري: إنّ سلمان الفارسي ذكر في الأذان والإقامة الشهادة بالولاية لعلي بعد الشهادة بالرسالة في زمن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم، فدخل رجل على رسول اللّه فقال: يا رسول اللّه، سمعت أمراً لم أسمع به قبل هذا، فقال رسول اللّه: «ما هو؟» قال: سلمان شهد في أذانه بعد الشهادة بالرسالة بالشهادة بالولاية لعلي، فقال: «سمعتم خيراً».
وعن كتاب السلافة أيضاً: إنّ رجلاً دخل على رسول اللّه فقال: يا رسول اللّه، إنّ أبا ذر يذكر في الأذان بعد الشهادة بالرسالة الشهادة بالولاية لعلي ويقول: أشهد أنّ عليّاً ولي اللّه، فقال: «كذلك، أوَ نسيتم قولي يوم غدير خم: من كنت مولاه فعليّ مولاه؟ فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه!!».
هذان خبران عن هذا الكتاب.
إن تسألوني عن رأيي في هذا الكتاب، وفي هذين الخبرين، فإنّي لا يمكنني الجزم بصحّة هذين الخبرين، لأنّي بعدُ لم أعرف هذا الكتاب، ولم أطلّع على سند هذين الخبرين، ولم أعرف بعدُ مؤلّف هذا الكتاب، إلاّ أنّي مع ذلك لا يجوز لي أن أُكذّب، لا أُفتي على طبق هذين الخبرين، ولكنّي أيضاً لا أُكذّب بهما.
وفي كتاب [الإحتجاج]، في إحتجاجات أمير المؤمنين عليه السلام على المهاجرين والأنصار، هذه الرواية يستشهد بها علماؤنا بل يستدلّون بها في كتبهم الفقهيّة، أقرأ لكم نصّ الرواية:
وروى القاسم بن معاوية قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: هؤلاء ـ أي السنة ـ يروون حديثاً في أنّه لمّا أُسري برسول اللّه رأى على العرش مكتوباً: لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه أبو بكر الصدّيق، فقال عليه السلام: سبحان اللّه، غيّروا كلّ شيء حتّى هذا؟ قلت: نعم، قال عليه السلام: إنّ اللّه عزّوجلّ لمّا خلق العرش كتب عليه: لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه عليّ أمير المؤمنين، ولمّا خلق اللّه عزّوجل الماء كتب في مجراه: لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه علي أمير المؤمنين، ولمّا خلق اللّه عزّوجلّ الكرسي كتب على قوائمه: لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه علي أمير المؤمنين، وهكذا لمّا خلق اللّه عزّوجلّ اللّوح، ولمّا خلق اللّه عزّوجلّ جبرئيل، ولمّا خلق اللّه عزّوجلّ الأرضين ـ إلى قضايا أُخرى، فقال في الأخير: قال (عليه السلام): ولمّا خلق اللّه عزّوجلّ القمر كتب عليه: لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه علي أمير المؤمنين، وهو السواد الذي ترونه في القمر، فإذا قال أحدكم: لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه، فليقل: علي أمير المؤمنين.
هذه الرواية في كتاب الإحتجاج(1).
الخبران السابقان كانا نصّين في المطلب، إلاّ أنّي توقّفت عن قبولهما.
هذا الخبر ليس بنصّ، وإنّما يدلّ على استحباب ذكر أمير المؤمنين بعد رسول اللّه في الأذان، بعمومه وإطلاقه، لأنّ الإمام عليه السلام قال: فإذا قال أحدكم ـ في أيّ مكان، في أيّ مورد، قال أحدكم على إطلاقه وعمومه ـ لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه فليقل: علي أمير المؤمنين، والأذان أحد الموارد، فتكون الرواية هذه منطبقة على الأذان.
وقد قلنا إنّ في كلّ مورد نحتاج إلى دليل، لا يلزم أن يكون الدليل دليلاً خاصّاً وارداً في ذلك المورد بخصوصه، وهذا الدليل ينطبق على موردنا، وهو الشهادة بولاية أمير المؤمنين في الأذان بعمومه، فمن ناحية الدلالة لا إشكال.
يبقى البحث في ناحية السند، فروايات الإحتجاج مرسلة، ليس لها أسانيد في الأعم الأغلب، صاحب الإحتجاج لا يذكر أسانيد رواياته في هذا الكتاب، وحينئذ من الناحية العلمية لا يتمكّن الفقيه أن يعتمد على مثل هكذا رواية، حتّى يفتي بالاستحباب، لكنْ هنا أمران:
الأمر الأوّل: إنّ الطبرسي يذكر في مقدّمة كتابه يقول: بأنّي وإن لم أذكر أسانيد الروايات، وترونها في الظاهر مرسلة، لكنّ هذه الروايات في الأكثر روايات مجمع عليها، روايات مشهورة بين الأصحاب، معمول بها، ولذلك استغنيت عن ذكر أسانيدها، فيكون هذا الكلام منه شهادة في اعتبار هذه الرواية.
الامر الثاني: قد ذكرنا في بدء البحث، أنّا لم نجد أحداً من فقهائنا يقول بمنع الشهادة الثالثة في الأذان، حينئذ، يكون علماؤنا قد أفتوا على طبق مفاد هذه الرواية، وإذا كانوا قد عملوا بهذه الرواية حتّى لو كانت مرسلة، فعمل المشهور برواية مرسلة أو ضعيفة يكون جابراً لسند تلك الرواية، ويجعلها رواية معتبرة قابلة للاستنباط والاستدلال في الحكم الشرعي، وهذا مسلك كثير من علمائنا وفقهائنا، فإنّهم إذا رأوا عمل المشهور برواية مرسلة أو ضعيفة، يجعلون عملهم بها جابراً لسند تلك الرواية، وهذا ما يتعلّق بسند رواية الإحتجاج.
مضافاً إلى هذا، فإنّا نجد في روايات أهل السنّة ما يدعم مفاد هذه الرواية، وهذا ممّا يورث الإطمينان بصدورها عن المعصوم عليه السلام.
لاحظوا، أقرأ لكم بعض الروايات:
(1) الإحتجاج للشيخ أبي منصور الطبرسي: 158.