الإتيان بالشهادة بالولاية لا بقصد الجزئية
إذا لم يكن إعلاننا عن ولايتنا لأمير المؤمنين في الأذان بقصد جزئية هذه الشهادة في الأذان، فأيّ مانع من ذلك؟
فإذن، أوّل سؤال يطرح هنا: إنّه إذا لم يكن من قصد هذا المؤذّن أن تكون هذه الشهادة جزءاً أصليّاً، وفصلاً من فصول الأذان، لم يكن من قصده هذا، وإنّما يريد أنْ يعلن للعالم عن اعتقاده بأولوية علي بالناس بعد رسول اللّه، ما المانع من هذا؟ هل من مانع كتاباً؟ هل من مانع سنّة؟ هل من مانع عقلاً؟
فعلى من يدّعي المنع إقامة الدليل.
ولذا قرّر علماؤنا، أنّ ذكر اللّه سبحانه بعد الشهادة الأُولى بما هو أهله، وذكر النبي بعد الشهادة الثانية بالصلاة والسلام عليه مثلاً، مستحب، وأن تكلّم المؤذّن بكلام عادي في أثناء الأذان جائز، ولا يضر بأذانه، فكيف إذا كان كلامه ومقصده الإعلان عن ولاية أمير المؤمنين، وهو يعتقد بأنّ الشهادة برسالة رسول اللّه إن لم تكن هذه الشهادة ملحقةً ومكمّلة بالشهادة بولاية علي، فتلك الشهادة ناقصة؟
فهو يريد بهذا الإعلان أن يكمِّل شهادته برسالة محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلم، وبأُلوهيّة الباري سبحانه وتعالى، فإذا لم يثبت المنع، وحتّى إذا لم يكن عندنا دليل على الجواز، فمجرّد أصالة عدم المنع، ومجرّد أصالة الإباحة تكفي، تكفي هذه الأُصول العلمية العقليّة والنقليّة على جواز هذا الإعلان في الأذان.
فحينئذ، يطالب المانع والمدّعي للمنع بإقامة دليل على عدم الجواز، وحينئذ يعود المنكر والمستنكر لذكر الشهادة بالولاية في الأذان مدّعياً بعد أن كان منكراً، وتكون وظيفته إقامة البيّنة على دعواه، من كتاب أو سنّة أو غير ذلك.
لقائل أن يقول: إذا كان هذا المؤذّن يرى نقصان الأذان حال كونه فاقداً للشهادة الثالثة، ويريد أن يكمّله بهذه الشهادة، لكون الولاية من أُصول اعتقاداته، ويريد الإعلان عن هذا الأصل الاعتقادي في أذانه، فليعلن عن المعاد أيضاً، لأنّ الاعتقاد بالمعاد من الأُصول، وليعلن أيضاً عن إمامة سائر الأئمّة، لأنّه يرى إمامتهم أيضاً، لا إمامة علي فقط.
لكنّ هذا الاعتراض غير وارد:
إذْ لا خلاف ولا نزاع في ضرورة الاعتقاد بالمعاد، كما أنّ من الواضح أنّ إمامة سائر الأئمة فرع على إمامة علي عليه السلام، وإذا ثبت الأصل ثبتت إمامة بقيّة الأئمّة، وكما كان لمنكر ولاية علي دواع كثيرة على إخفاء هذا المنصب لأمير المؤمنين، فلابدّ وأن يكون لمن يثبت هذا الأمر ويعتقد به، أنْ يكون له الداعي القوي الشديد على الإعلان منه.
ليس المقصود أنْ نبحث عن فصول الأذان، وأنّ أيّ شيء من فصول الأذان، وأيّ شيء ليس من فصوله، لكي نأتي إلى البحث عن المعاد ونقول لماذا لا يعلن عن المعاد في الأذان مثلاً؟ وإنّما كان المقصود أن هذا المؤذن الشيعي الإمامي يرى بأنّ الشهادة برسالة رسول اللّه بدون الشهادة بولاية علي ليست بشهادة، إنّه يريد الإعلان عن معتقده الكامل التام، والشهادة برسالة رسول اللّه بلا شهادة بولاية علي تساوي عدم الشهادة برسالة رسول اللّه في نظر الشيعي.
وإلى الآن ظهر أنّ مقتضى الأصل، مقتضى القاعدة الجواز والإباحة مع عدم قصد الجزئيّة.
إنّما الكلام فيما لو أتى بهذه الشهادة بقصد الجزئيّة، حينئذ يأتي دور مانعيّة توقيفيّة الأذان، لأنّ الأذان ورد من الشارع المقدّس بهذه الكيفيّة الخاصّة، بفصول معيّنة وبحدود مشخصة، فإضافة فصل أو نقص فصل من الأذان، خلاف الشرع وخلاف ما نزل به جبرئيل ونزل به الوحي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم، حينئذ يحصل المانع عن الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان بقصد الجزئيّة، وعلى من يريد أن يأتي بها بقصد الجزئيّة أنْ يقيم الدليل المجوّز، وإلاّ لكان بدعة، لكان إتيانه بالشهادة الثالثة إدخالاً في الدين ما ليس من الدين.
Menu