الإتيان بالشهادة بالولاية
بقصد الجزئية المستحبة
ونحن الآن نتكلّم عن الإتيان بالشهادة الثالثة بقصد الجزئيّة المستحبّة، والاستحباب حكم من الأحكام الشرعيّة، لابدّ وأن يكون المفتي عنده دليل على الفتوى بالاستحباب، وإلاّ لكانت فتواه بلا علم، وتكون افتراءً على اللّه سبحانه وتعالى، مضافاً إلى خصوصيّة الأذان وكون الأذان توقيفيّاً.
ففي مسألتنا مشكلتان في الواقع:
المشكلّة الأُولى: إنّ المؤذّن مع الشهادة الثالثة بقصد الجزئيّة المستحبّة، يحتاج إلى دليل قائم على الاستحباب، وإلاّ ففتواه بالاستحباب أو عمله هذا يكون محرّماً، لأنّها فتوى بلا دليل، كسائر المستحبّات في غير الأذان، لو أنّ المفتي يفتي باستحباب شيء وبلا دليل، هذا لا يجوز، وهو إفتراء على اللّه عزّوجلّ.
المشكلة الثانية: في خصوص الأذان، لأنّ الأذان أمر توقيفي، فإضافة شيء فيه أو نقص شيء منه، تصرّف في الشريعة، وهذه بدعة، فيلزم على القائل بالجزئيّة الإستحبابيّة أو المستحبّة إقامة الدليل.
الدليل المخرج عن كون هذه الشهادة بدعة، لا يخلو من ثلاثة أُمور، أو ثلاثة طرق:
الأوّل: أن يكون هناك نصّ خاص، يدلّ على استحباب الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان.
الثاني: أن يكون هناك دليل عام أو دليل مطلق، يكون موردنا ـ أي الشهادة بولاية أمير المؤمنين في الأذان ـ من مصاديق ذلك العام، أو من مصاديق ذلك المطلق.
الثالث: أن يكون هناك دليل ثانوي، يجوّز لنا الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان.
أمّا النص، فواضح، مثلاً: يقول الشارع المقدّس: الخمر حرام، يقول الشارع المقدّس: الصلاة واجبة، هذا نصّ وارد في خصوص الموضوع الذي نريد أن نبحث عنه، وهو الخمر مثلاً، أو الصلاة مثلاً.
وأمّا الدليل العام أو المطلق، فإنّه غير وارد في خصوص ذلك الموضوع أو الشيء الذي نريد أن نبحث عن حكمه، وإنّما ذلك الشيء يكون مصداقاً لهذا العام، يكون مصداقاً لهذا المطلق، مثلاً: نحن عندنا إطلاقات أو عمومات فيها الأمر بتعظيم وتكريم النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم، ولا شك في هذه الإطلاقات والعمومات، وحينئذ، فكلّ فعل يكون مصداقاً لتعظيم رسول اللّه، يكون مصداقاً لإظهار الحبّ لرسول اللّه، يكون مصداقاً لاحترام رسول اللّه، يكون ذلك الفعل موضوعاً لحكم التعظيم والاحترام والتكريم له، لانطباق هذا العام أو المطلق عليه، وإن لم يكن لذلك الفعل بالخصوص نصّ خاص، ولذا نزور قبر النبي، لذا نقبّل ضريح النبي، لذا إذا ذكر اسمه نحترم اسمه المبارك، وهكذا سائر الأُمور، مع أنّ هذه الأُمور واحداً واحداً لم يرد فيها نصّ، لكنْ لمّا كانت مصاديق للعناوين المتخذة موضوعات لتلك الأدلّة العامة أو المطلقة، فلا ريب في ترتب الحكم على كلّ فرد من الأُمور المذكورة، وهذا ممّا لم يفهمه الوهّابيّون، ولذا يرمون المسلمين عندما يحترمون رسول اللّه، يرمونهم بما يرمون.
وأمّا الدليل الثانوي، وهو الطريق الثالث، الدليل الثانوي فيما نحن فيه: قاعدة التسامح في أدلّة السنن، هذه قاعدة استخرجها علماؤنا وفقهاؤنا الكبار، من نصوص(1) مفادها أنّ من بلغه ثواب على عمل فعمل ذلك العمل برجاء تحصيل ذلك الثواب، فإنّه يعطى ذلك الثواب وإن لم يكن ما بلغه صحيحاً، وإن لم يكن رسول اللّه قال ما بلغ هذا الشخص.
والنصوص الواردة في هذا الباب التي يستفاد منها هذه القاعدة عند المشهور بين فقهائنا، فيها ما هو صحيح سنداً وتام دلالة، وعلى أساس هذه القاعدة أفتى الفقهاء باستحباب كثير من الأشياء مع عدم ورود نصّ خاص فيها، ومع عدم انطباق عمومات أو مطلقات على تلك الأشياء.
إذن، بأحد هذه الطرق تنتهي الفتوى بالاستحباب إلى الشارع المقدّس، وإذا انتهى الشيء إلى الشارع المقدّس أصبح من الدين، ولم يكن ممّا ليس من الدين ليكون إدخالاً لما ليس من الدين في الدين فيكون بدعة.
وبعد بيان هذه المقدّمة، ومع الالتفات إلى أنّ القاعدة المذكورة قاعدة ورد فيها النصّ من طرقنا ومن طرق أهل السنّة أيضاً، وهي قاعدة مطروحة عندهم أيضاً، والحديث عن رسول اللّه بهذا المضمون وارد في كتبهم، كما في [فيض القدير](2).
وبعد، على من يقول بجزئية الشهادة الثالثة في الأذان جزئيّة استحبابيّة أن يقيم الدليل على مدّعاه بأحد هذه الطرق أو بأكثر من واحد منها، وسأذكر لكم أدلّة القوم، وسأبيّن لكن أنّ كثيراً منها ورد من طرق أهل السنّة أيضاً، ممّا ينتهي إلى اطمئنان الفقيه ووثوقه باستحباب هذا العمل.
(1) وسائل الشيعة ج 1 باب 18 في أبواب مقدمات العبادات.
(2) فيض القدير 6 / 95.