بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين من الأوّلين والآخرين.
بحثنا حول عقائد ابن تيميّة ومواقفه من الشيعة الإماميّة وأئمّتهم وعقائدهم.
حول ابن تيميّة وعقائده وأفكاره كتب ألّفها علماء وكتّاب من الشيعة والسنّة، منذ قديم الأيام، وإذا أردنا أن نتكلّم عمّا في كتبه وعمّا في كتب القوم حول هذا الرجل، فلابدّ وأن يكون بحثنا في ثلاثة فصول:
الفصل الأوّل: في عقائده.
الفصل الثاني: في علمه وحدود معلوماته.
والفصل الثالث: في عدالة هذا الرجل.
ولابدّ في كلّ شخصيّة يراد الاستفادة منها، ويراد الاقتداء بها، وأخذ معالم الدين ومعارف الشريعة من تلك الشخصية، لابدّ وأن تتوفّر فيها هذه الجهات الثلاث:
أن لا يكون منحرفاً في عقائده.
وأن يكون عالماً حقّاً.
وأن يكون عادلاً في سلوكه، أي في أقواله وأفعاله وكتاباته وأحكامه… .
فالمنحرف فكرياً لا يصلح لأن يكون هادياً.
والجاهل لا يصلح لأن يكون إماماً.
والفاسق لا يصلح لأن يقبل كلامه ويرتّب الأثر على أقواله.
والبحث حول هذه الشخصيّة من هذه الجهات كلّها، يستغرق وقتاً كثيراً، وقد خصّصت ليلة واحدة فقط للبحث عن ابن تيميّة، فرأيت من الأنسب والأرجح أن أتعرّض لما في كتابه منهاج السنّة من التعريض بأمير المؤمنين عليه السلام وأكتفي بهذا المقدار، لأنّ كتابه منهاج السنّة مشحون بالتعريض والتعرّض لأمير المؤمنين، وللزهراء البتول، وللأئمّة الأطهار، وللمهدي عجّل اللّه فرجه، ولشيعتهم وأنصارهم، بصورة مفصّلة، وحتّى أنّه في هذا الكتاب يدافع بكثرة وبشدّة عن بني أميّة، وعن أعداء أمير المؤمنين بصورة عامّة، وحتّى أنّه يدافع عن ابن ملجم المرادي أشقى الآخرين، ويسبّ شيعة أهل البيت سبّاً فظيعاً.
بغض ابن تيمية لأمير المؤمنين
وأبدأ بحثي بكلمة لابن حجر العسقلاني الحافظ بترجمته من كتاب [الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة] حيث يذكر قضايا مفصلة بترجمة ابن تيميّة وحوادث كلّها قابلة للذكر، إلاّ أنّي أكتفي بنقل ما يلي:
يقول الحافظ: وقال ابن تيميّة في حقّ علي: أخطأ في سبعة عشر شيئاً، ثمّ خالف فيها نصّ الكتاب… .
ويقول الحافظ ابن حجر: وافترق الناس فيه ـ أي في ابن تيميّة ـ شيعاً، فمنهم من نسبه إلى التجسيم، لما ذكر في العقيدة الحمويّة والواسطيّة وغيرهما من ذلك كقوله: إنّ اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقيّة للّه، وأنّه مستو على العرش بذاته… .
إلى أن يقول: ومنهم من ينسبه إلى الزندقة، لقوله: النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلم لا يستغاث به، وأنّ في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم… .
إلى أن يقول: ومنهم من ينسبه إلى النفاق، لقوله في علي ما تقدّم ـ أي قضيّة أنّه أخطأ في سبعة عشر شيئاً ـ ولقوله: إنّه ـ أي علي ـ كان مخذولاً حيثما توجّه، وأنّه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها، وإنّما قاتل للرئاسة لا للديانة، ولقوله: إنّه كان يحبّ الرئاسة، ولقوله: أسلم أبو بكر شيخاً يدري ما يقول، وعلي أسلم صبيّاً، والصبي لا يصحّ إسلامه، وبكلامه في قصّة خطبة بنت أبي جهل، وأنّ عليّاً مات وما نسيها.
فإنّه شنّع في ذلك، فألزموه بالنفاق، لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: ولا يبغضك إلاّ منافق.
إلى هنا القدر الذي نحتاج إليه من عبارة الحافظ ابن حجر بترجمة ابن تيميّة في [الدرر الكامنة](1).
والآن أذكر لكم الشواهد التفصيليّة لما نسب ابن تيميّة إليه من النفاق.
* إنّه يناقش في إسلام أمير المؤمنين، وفي جهاده بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم، إلى أن يقول في موضع من كلامه، أقرأ لكم هذا المقطع وأنتقل إلى بحث آخر، يقول:
قبل أنْ يبعث اللّه محمّداً صلّى اللّه عليه وآله وسلم لم يكن أحد مؤمناً من قريش [لاحظوا بدقّة كلمات هذا الرجل] لا رجل، ولا صبيّ، ولا امرأة، ولا الثلاثة، ولا علي. وإذا قيل عن الرجال: إنّهم كانوا يعبدون الأصنام، فالصبيان كذلك: علي وغيره. [فعلي كان يعبد الصنم في صغره!!] وإن قيل: كفر الصبي ليس مثل كفر البالغ. قيل: ولا إيمان الصبي مثل إيمان البالغ. فأولئك يثبت لهم حكم الإيمان والكفر وهم بالغون، وعلي يثبت له حكم الكفر والإيمان وهو دون البلوغ، والصبي المولود بين أبوين كافرين يجري عليه حكم الكفر في الدنيا باتّفاق المسلمين(2).
أكتفي بهذا المقدار من عباراته في هذه المسألة.
ويقول:
إنّ الرافضة تعجز عن إثبات إيمان علي وعدالته… فإنْ احتجّوا بما تواتر من إسلامه وهجرته وجهاده، فقد تواتر إسلام معاوية ويزيد وخلفاء بني أُميّة وبني العباس، وصلاتهم وصيامهم وجهادهم(3).
ويقول في موضع آخر:
لم يعرف أنّ عليّاً كان يبغضه الكفّار والمنافقون(4).
ويقول:
كلّ ما جاء في مواقفه في الغزوات كلّ ذلك كذب.
إلى أن يقول مخاطباً العلاّمة الحلّي رحمه اللّه يقول:
قد ذكر في هذه من الأكاذيب العظام التي لا تنفق إلاّ على من لم يعرف الإسلام، وكأنّه يخاطب بهذه الخرافات من لا يعرف ما جرى في الغزوات(5).
* بالنسبة إلى علوم أمير المؤمنين ومعارفه، يناقش في جلّ ما ورد في هذا الباب، في نزول قوله تعالى: (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)(6) يقول:
إنّه حديث موضوع باتّفاق أهل العلم
مع أنّ هذا الحديث موجود في:
1 ـ تفسير الطبري.
2 ـ مسند البزّار.
3 ـ مسند سعيد بن منصور.
4 ـ تفسير ابن أبي حاتم.
5 ـ تفسير ابن المنذر.
6 ـ تفسير ابن مردويه.
7 ـ تفسير الفخر الرازي.
8 ـ تفسير الزمخشري.
9 ـ تفسير الواحدي.
10 ـ تفسير السيوطي.
ورواه من المحدّثين:
1 ـ أبو نعيم.
2 ـ الضياء المقدسي.
3 ـ ابن عساكر.
4 ـ الهيثمي، في مجمع الزوائد.
أكتفي بهذا المقدار(7).
حديث: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» يقول فيه:
وحديث «أنا مدينة العلم وعلي بابها» أضعف وأوهى، ولهذا إنّما يعدّ في الموضوعات(8).
مع أنّ هذا الحديث من رواته:
1 ـ يحيى بن معين.
2 ـ أحمد بن حنبل.
3 ـ الترمذي.
4 ـ البزّار.
5 ـ ابن جرير الطبري.
6 ـ الطبراني.
7 ـ أبو الشيخ.
8 ـ ابن بطّة.
9 ـ الحاكم.
10 ـ ابن مردويه.
11 ـ أبو نعيم.
12 ـ أبو مظفّر السمعاني.
13 ـ البيهقي.
14 ـ ابن الأثير.
15 ـ النووي.
16 ـ العلائي.
17 ـ المزّي.
18 ـ ابن حجر العسقلاني.
19 ـ السخاوي.
20 ـ السيوطي.
21 ـ السمهودي.
22 ـ ابن حجر المكّي.
23 ـ القاري.
24 ـ المنّاوي.
25 ـ الزرقاني.
وقد صحّحه غير واحد من هؤلاء الأئمّة.
وحول حديث أقضاكم علي، يقول:
فهذا الحديث لم يثبت، وليس له إسناد تقوم به الحجّة… لم يروه أحد في السنن المشهورة، ولا المساند المعروفة، لا بإسناد صحيح ولا ضعيف، وإنّما يروى من طريق من هو معروف بالكذب(9).
هذا الحديث موجود في: [صحيح البخاري] في كتاب التفسير باب قوله تعالى: (مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْر مِنْهَا)(10) كذا في [الدرّ المنثور]، وعن النسائي أيضاً، وابن الأنباري، ودلائل النبوّة للبيهقي، وهو في [الطبقات ]لابن سعد، وفي [المسند] لأحمد بن حنبل، وبترجمته عليه السلام من سنن ابن ماجة، وفي [المستدرك على الصحيحين] وقد صحّحه، وفي [الاستيعاب]، و[أُسد الغابة ]و[حلية الأولياء] وفي [الرياض النضرة] وغيرها من الكتب(11).
يقول:
وقوله: ابن عباس تلميذ عليّ كلام باطل(12).
ويقول المنّاوي في [فيض القدير] بشرح حديث «علي مع القرآن والقرآن مع علي»، يقول: ولذا كان أعلم الناس بتفسيره… .
ألى أن قال: حتّى قال ابن عباس: ما أخذت من تفسيره فعن علي(13).
ويقول أيضاً:
وأما قوله: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم: «أقضاكم علي» والقضاء يستلزم العلم والدين، فهذا الحديث لم يثبت، وليس له إسناد تقوم به الحجة، وقوله: «أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل» أقوى اسناداً منه، والعلم بالحلال والحرام ينتظم القضاء أعظم مما ينتظم للحلال والحرام(14).
يقول:
والمعروف أنّ عليّاً أخذ العلم عن أبي بكر(15).
يقول:
له ـ أي لأمير المؤمنين ـ فتاوى كثيرة تخالف النصوص(16).
كانت العبارة هناك سبعة عشر موضعاً، وعبارة ابن تيميّة هنا: له فتاوى كثيرة تخالف النصوص من الكتاب والسنّة.
يقول:
وقد جمع الشافعي ومحمد بن نصر المروزي كتاباً كبيراً فيما لم يأخذ به المسلمون من قول عليّ، لكون قول غيره من الصحابة اتبع للكتاب والسنة(17).
والحال أنّ هذا الكتاب الذي ألّفه المروزي هو في المسائل التي خالف فيها أبو حنيفة علي بن أبي طالب في فتاواه، فموضوع هذا الكتاب ـ كتاب المروزي ـ الفتاوى التي خالف فيها أبو حنيفة علي بن أبي طالب وعبداللّه بن مسعود.
لاحظوا، كم الفرق بين أصل القضيّة وما يدّعيه ابن تيميّة!!
يقول:
وعثمان جمع القرآن كلّه بلا ريب، وكان أحياناً يقرؤه في ركعة، وعلي قد اختلف فيه هل حفظ القرآن كلّه أم لا؟(18).
ويقول:
فإن قال الذابُّ عن علي: هؤلاء الذين قاتلهم علي كانوا بغاة، فقد ثبت في الصحيح: إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلم قال لعمّار بن ياسر رضي اللّه عنه: «تقتلك الفئة الباغية»، وهم قتلوا عمّاراً، فههنا للناس أقوال: منهم من قدح في حديث عمّار، ومنهم من تأوّله على أنّ الباغي الطالب، وهو تأويل ضعيف، وأمّا السلف والأئمّة فيقول أكثرهم كأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم: لم يوجد شرط قتال الطائفة الباغية(19).
ففي قتال علي مع الناكثين والقاسطين والمارقين يقول: إنّ أبا حنيفة ومالكاً وأحمد وغيرهم كانوا يقولون بأنّ شرط البغاة لم يكن حاصلاً في هؤلاء حتّى يحاربهم علي عليه السلام.
يقول:
جميع مدائن الإسلام بلغهم العلم عن الرسول من غير علي(20).
فإذن، لم يكن لعلي دور في نشر التعاليم الإسلاميّة والأحكام الشرعيّة والحقائق الدينيّة أبداً!!
(1) الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة 1 / 154 ـ 155.
(2) منهاج السنّة 8 / 285.
(3) منهاج السنّة 2 / 62.
(4) المصدر 7 / 461.
(5) المصدر 8 / 97.
(6) سورة الحاقة (69): 12.
(7) الآية في سورة الحاقة، فلاحظ التفاسير ومجمع الزوائد 1 / 131 وحلية الأولياء 1 / 108.
(8) منهاج السنّة 7 / 515.
(9) منهاج السنّة 7 / 513.
(10) سورة البقرة (2): 106.
(11) طبقات ابن سعد 2 / 339، وفيه عن عمر: أقضانا علي، وفيه أيضاً: أقضى أهل المدينة علي.
(12) منهاج السنّة 7 / 536.
(13) فيض القدير 4 / 470.
(14) منهاج السنّة 7 / 512 ـ 513.
(15) المصدر 5 / 513.
(16) المصدر 7 / 502.
(17) المصدر 8 / 281.
(18) منهاج السنّة 8 / 229.
(19) المصدر 4 / 390.
(20) المصدر 7 / 516.