و هنا ملاحظات لابدّ من الإشارة إليها:
الملاحظة الأُولى:
في حديث الغدير في ]صحيح مسلم[(1)، وفي ]المسند[(2)، وفي غيرهما(3)يقول الراوي: فخطبنا أو يقول قام فينا خطيباً، لكنْ في ]المستدرك[(4): «فقام خطيباً فحمد اللّه وأثنى عليه وذكّر ووعظ فقال ما شاء اللّه أن يقول».
وفي ]مجمع الزوائد[ لأبي بكر الهيثمي الحافظ(5): «فو اللّه ما من شيء يكون إلى يوم الساعة إلاّ قد أخبرنا به يومئذ».
أليس من حقّنا أن نسأل الرواة، أن نسأل المحدّثين، أن نسأل الأُمناء على سنّة رسول اللّه: أين هذه الخطبة، خطبة الغدير التي لم يترك رسول اللّه يوم الغدير شيئاً يكون إلى يوم القيامة إلاّ قد أخبرنا به؟ لماذا لم ينقلوه؟
إنّه أثنى على اللّه، وذكّر ووعظ فقال ما شاء اللّه أن يقول، أين وعظ رسول اللّه يوم الغدير؟ وأين ما ذكّر به رسول اللّه في يوم الغدير؟ فلماذا تركوا الخطبة؟ لماذا لم يرووها؟ أليسوا هؤلاء حفّاظ سنّة رسول اللّه؟ أليس من وظيفتهم أن ينقلوا لنا ما قال رسول اللّه كما قال؟ لماذا لم ينقلوا؟
هذه هي الملاحظة الأُولى، ألهم جواب على هذا؟
الملاحظة الثانية:
هناك قاعدة في علم الحديث يعبّرون عنها بقاعدة «الحديث يفسّر بعضه بعضاً»، أي أنّ الحديث كالقرآن يفسّر بعضه بعضاً، ونحن في اللفظين المذكورين المرويين بسندين صحيحين، نرى أحدهما يقول: «من كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه»، والآخر يقول: «من كنت وليّه فهذا وليّه»، فلو كان هناك إبهام في معنى كلمة المولى ومجيئها بمعنى الولي والأولى، فإنّ اللفظ الثاني يفسّر اللفظ الأوّل.
وكم من شاهد من هذا القبيل في السنّة النبوية المباركة، هذه الشواهد الكثيرة الصحيحة سنداً تأتي مفسرة للفظ المولى، لو كان هناك حاجة إلى تفسير هذه الكلمة.
الملاحظة الثالثة:
إنّ مسلم بن الحجّاج يروي هذا الحديث في ]صحيحه[(6) إلى حدّ حديث الثقلين، وذلك، لأنّه كان عندنا في لفظ النسائي أنّه قال: «كأنّي دعيت فأجبت وإنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب اللّه وعترتي» إلى آخر هذا الحديث، ثمّ قال: «إنّ اللّه مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمن» إلى آخره(7).
ومسلم يروي هذا الحديث إلى حدّ الحديث الأوّل وهو حديث إنّي تارك فيكم الثقلين، مع تغيير في الألفاظ، ولا يروي بقية الحديث ممّا يتعلّق بـ «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه»، ونحن ـ مع ذلك ـ شاكرون لمسلم، حيث روى هذا الحديث ولو بهذا المقدار، لأنّ البخاري لم يرو منه شيئاً أبداً، نشكر مسلم على أمانته بهذا المقدار.
وربّ قائل يقول: بأنّ مشايخ مسلم ورواة الحديث لم يرووا له أكثر من هذا، أو أنّ مسلماً على أساس الضوابط والشروط التي تبنّاها في صحيحه لم يجد سنداً آخر من أسانيد هذا الحديث متوفرة فيه تلك الشروط إلاّ هذا الحديث الذي نقله وأورده بهذا الشكل المبتور.
ولكن كلّ هذا لا يمكننا قبوله، مع ذلك نشكره على نقله بهذا المقدار.
انتهت الملاحظات.
إنّه ليس عندي شيء جديد أُبيّنه لكم في هذه اللّيلة حول حديث الغدير، والليلة الواحدة لا تكفي لهذا البحث بل الليلتان أيضاً، لكنّي أذكر لكم رؤوس المطالب والنقاط المهمّة التي سجّلتها مع شيء من التوضيح وإبداء بعض الملاحظات فقط.
إننا لمّا نريد أن نجعل لبحثنا منهجاً، فلا بدّ وأن يكون المنهج على الشكل التالي، أنْ نبحث عن حديث الغدير في جهتين.
الجهة الأُولى في الجهود التي بذلت في سبيل هذا الحديث إثباتاً وروايةً وتصحيحاً ونشراً… .
والجهة الثانية: الجهود التي بذلت في سبيل إبطال هذا الحديث وردّه وكتمه والتعتيم عليه وتحريفه بأيّ شكل من الأشكال.
(1) صحيح مسلم 7 / 122.
(2) مسند أحمد 4 / 372.
(3) مجمع الزوائد 9 / 104، المعجم الكبير 5 / 202 ـ 203.
(4) المستدرك على الصحيحين 3 / 110.
(5) مجمع الزوائد 9 / 105.
(6) صحيح مسلم 7 / 122.
(7) خصائص أمير المؤمنين عليه السلام: 97 ـ 99، سنن النسائي 5 / 45، فضائل الصحابة: 15.