و من منازل هارون:
أعلميّته بعد موسى من جميع بني إسرائيل ومن كلّ تلك الأُمّة، وقد ثبتت المنزلة هذه بمقتضى تنزيل علي منه بمنزلة هارون من موسى لأمير المؤمنين عليه السّلام. وإلى الأعلميّة هذه يشير علي عليه السّلام في الأوصاف التي ذكرها لنفسه في هذه الخطبة وفي غير هذه الخطبة.
في هذه الخطبة بقول: «كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أُمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالإقتداء به».
ويقول عليه السّلام في خطبة أُخرى بعد أنْ يذكر العلم بالغيب يقول: «فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلاّ اللّه، وما سوى ذلك ]أي ما سوى ما اختصّ به سبحانه وتعالى لنفسه[ فعلم علّمه اللّه نبيّه، فعلّمنيه ودعا لي بأنْ يعيه صدري وتضْطَمّ عليه جوانحي».
وأيضاً: تظهر أعلميّته عليه السلام من قوله في نفس هذه الخطبة عن رسول اللّه حيث خاطبه بقوله: «إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى».
وأيضاً: رسول اللّه يقول في علي: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها».
وهذا الحديث هو الآخر من الأحاديث الدالة على إمامة أمير المؤمنين سلام اللّه عليه، وكان ينبغي أن نخصّص ليلة للبحث عنه، لنتعرّض هناك لأسانيده ودلالاته، ولنتعرضّ أيضاً لمحاولات القوم في ردّه وإبطاله، وما ارتكبوه من الكذب والدسّ والتزوير والتحريف.
أمّا ثبوت الأعلميّة لهارون بعد موسى، فراجعوا ـ إنْ شئتم ـ التفاسير في قوله تعالى: (قالَ إِنَّما أُوتيتُهُ عَلى عِلْم عِنْدي)(1) عن لسان قارون، ففي ذيل هذه الآية، تجدون التصريح بأعلميّة هارون من جميع بني إسرائيل إلاّ موسى، فراجعوا ]تفسير البغوي[(2)، و]تفسير الجلالين[(3)، وغير هذين من التفاسير.
(1) سورة القصص (28): 78.
(2) تفسير البغوي 4 / 357.
(3) تفسير الجلالين 2 / 201.