و الجواب:
أوّلاً: لقد عُدّت هذه القضيّة عند اللّه ورسوله وسائر المؤمنين من مناقب أمير المؤمنين، فلو كان لهذا الإشكال أدنى مجال لمّا عُدّ فعله من مناقبه.
وثانياً: هذا الإلتفات لم يكن من أمير المؤمنين إلى أمر دنيوي، وإنّما كانت عبادة في ضمن عبادة.
ولعلّ الأفضل والأولى أنْ نرجع إلى أهل السنّة أنفسهم بل كبار أهل السنة الذين لهم ذوق عرفاني لنرى ماذا يقولون:
يقول الآلوسي(1): قد سُئل ابن الجوزي(2) هذا السؤال، فأجاب بشعر عرفاني في نفس ذلك العالم، يقول فيه:
يسقي ويشربُ لا تلهيه سكرتهُ *** عن النديم ولا يلهو عن الناسِ
أطاعَهُ سُكرُهُ حتّى تمكّن من *** فعلِ الصحاةِ فهذا واحدُ الناسِ
هذا شعر ابن الجوزي الحنبلي، الذي نعتقد بأنّه متعصّب، لأنّه في كثير من الموارد نرى ابن تيميّة والفضل ابن روز بهان وأمثالهما يعتمدون على كتبه في ردّ فضائل أمير المؤمنين ومناقبه، أمّا في مثل هذا المورد، فإنه يجيب عن السؤال بالشعر المذكور.
أمير المؤمنين عليه السّلام جمعت في صفاته الأضداد، هذا موجود في حال أمير المؤمنين، وإلاّ لم يكن واحد الناس، وإلاّ لم يكن متفرّداً بفضائله ومناقبه، وإلاّ لم يكن وصيّاً لرسول اللّه، وإلاّ لم يكن كفواً للزهراء البتول بضعة رسول اللّه، وإلى آخره.
فحينئذ هذا الإشكال أيضاً ممّا لا يرتضيه أحدٌ في حقّ أمير المؤمنين، بأن يقال: إنّ عليّاً انصرف في أثناء صلاته إلى أمر دنيوي.
نعم، وجدت في كتب أصحابنا ـ ولم أجد حتّى الآن هذه الرواية في كتب غير أصحابنا ـ : عن عمر بن الخطّاب أنّه قال: تصدّقت بخاتمي أربعين مرّة ولم تنزل في حقّي آية.
وثالثاً: لقد أخرج أهل السنّة بالأسانيد الصحيحة عندهم: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله خرج إلى الصّلاة وعلى عاتقه اُمامة ابنة بنته زينب، فكان إذا سجد وضعها على الأرض فإذا قام أخذها ووضعها على عاتقه… وهكذا إلى أن فرغ من الصّلاة(3).
فلو كان إعطاء علي عليه السلام الخاتم للسائل ينافي الصّلاة، فهذا الفعل من النبي عليه وآله وسلّم مناف لها بالأولويّة!
إذن، هذا الاعتراض أيضاً لا مجال له.
(1) روح المعاني 6 / 169.
(2) ابن الجوزي هذا جدّ سبط ابن الجوزي، وإنّما نبّهنا على هذا، لأنّه قد يقع اشتباه بين ابن الجوزي وسبط ابن الجوزي، فالمراد هنا: أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي الحافظ، صاحب المؤلّفات الكثيرة، المتوفى سنة 597 هـ .
(3) صحيح مسلم 3 / 73، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة.