و أمّا الأفضليّة:
أي: أفضليّة أئمّتنا سلام اللّه عليهم، فإنّه يدلّ على أفضليّتهم حديث الثقلين من جهات عديدة، لأنّ حديث الثقلين دلّ على تقدّمهم في العلم وغير العلم، وهذه جهات تقتضي الأفضليّة بلا شك، وإن كنتم في شك فأقرأ لكم بعض العبارات:
قال التفتازاني في ]شرح المقاصد[ ـ وأرجو الملاحظة بدقة ـ : وفضّل العترة الطاهرة، لكونهم أعلام الهداية وأشياع الرسالة، على ما يشير إليه ضمّهم ـ أي ضمّ العترة إلى كتاب اللّه ـ في إنقاذ المتمسّك بهما عن الضلالة(1).
ولو راجعتم شرّاح حديث الثقلين، وحتى اللغويين ـ لو تراجعونهم في معنى ثِقْل أو ثَقَل حيث يتعرضون لحديث الثقلين ـ يقولون: إنّما سمّاهما ـ أي الكتاب والعترة ـ بالثقلين إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما.
وقد نصّ شرّاح الحديث، كالمنّاوي في ]فيض القدير[، والقاري في ]المرقاة في شرح المشكاة[، والزرقاني المالكي في ]شرح المواهب اللدنية[، وغير هؤلاء: على أنّ حديث الثقلين يدلّ على أفضليّة العترة.
ولاحظوا كلام نظام الدين النيشابوري في ]تفسيره[ المعروف، يقول بتفسير قوله تعالى: (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللّهِ وَفيكُمْ رَسُولُهُ)(2):
(وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ) استفهام بطريق الإنكار والتعجب، والمعنى من أين يتطرّق إليكم الكفر والحال أنّ آيات اللّه تتلى عليكم على لسان الرسول غضّة، في كلّ واقعة، وبين أظهركم رسول اللّه يبيّن لكم كلّ شبهة، ويزيح عنكم كلّ علّة ]فرسول اللّه إنّما يكون بين الأُمّة ويبعثه اللّه إلى الناس لهذه الغاية وهي: يبيّن لكم كلّ شبهة ويزيح عنكم كلّ علّة[ قلت: أمّا الكتاب فإنّه باق على وجه الدهر، وأمّا النبي، فإنّه وإن كان قد مضى إلى رحمة اللّه في الظاهر، ولكن نور سرّه باق بين المؤمنين، فكأنّه باق، على أنّ عترته ورثته يقومون مقامه بحسب الظاهر أيضاً، فيكونون ـ أي العترة ـ يبيّنون كلّ شبهة ويزيحون كلّ علّة، ولهذا قال: «إنّي تارك فيكم الثقلين»(3).
فمسألة الأفضليّة أيضاً واضحة على ضوء أحاديث القوم وكلمات علمائهم.
وأمّا حديث السفينة، فذاك دليل آخر على أفضليّتهم وعلى عصمتهم أيضاً، ولربّما نتعرّض للبحث عن حديث السفينة في مباحث العصمة إن شاء اللّه تعالى.
(1) شرح المقاصد 5 / 303.
(2) سورة آل عمران (3): 101.
(3) تفسير النيسابوري (غرائب القرآن ورغائب الفرقان) 2 / 221.