نصّ حديث الولاية و تصحيحه
إنّ المشهور برواية هذا الحديث من بين الصحابة:
1 ـ عبداللّه بن عباس.
2 ـ بريدة بن الحصيب.
3 ـ عمران بن الحصين.
هؤلاء الثلاثة أكثر الروايات تنتهي إليهم.
أمّا ابن عباس، فلا يروون عنه إلاّ هذا المقدار من الحديث وهو محلّ الشاهد:
«أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي» وهذا لفظ أبي داود الطيالسي في ]مسنده[(1).
أو «أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي ومؤمنة» وهذا لفظ الحاكم في ]المستدرك[(2).
أو «أنت وليّي في كلّ مؤمن بعدي» وهذا لفظ أحمد في ]المسند[(3).
فرسول اللّه يخاطب عليّاً بمثل هذا الخطاب: «أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي ومؤمنة»، أو «أنت وليّ كلّ مؤمن من بعدي»، أو «أنت وليّي في كلّ مؤمن بعدي».
ولا يخفى عليكم وجود كلمة بعدي في جميع الألفاظ الثلاثة في هذه المصادر التي ذكرتها.
هذا هو اللفظ عن ابن عباس، يرويه ابن عباس ضمن حديث يشتمل على مناقب عشر لأمير المؤمنين عليه السّلام، ينصّ عبداللّه بن عباس فيه على اختصاص هذه المناقب بعلي أمير المؤمنين عليه السّلام ولا يشاركه فيها أحد من الأصحاب.
وأمّا في روايتهم عن عمران بن حصين وعن بريدة بن الحصيب، فتوجد هذه الإضافة: «علي منّي وأنا من علي وعلي وليّ كلّ مؤمن بعدي».
إذن، عرفنا إلى الآن: الصحابة الرواة لهذا الحديث وأعلام المحدثين وأشهر الأئمّة الحفّاظ من أهل السنّة في القرون المختلفة، الذين يروون هذا الحديث.
وأيضاً عرفنا متن الحديث ولفظه الذي نريد أن نستدلّ به.
وأمّا سند الرواية عن ابن عباس في مسند أحمد، ومسند أبي داود الطيالسي، ومستدرك الحاكم، وغيرها من الكتب التي هي من أهمّ المصادر، هذا السند صحيح قطعاً، وقد نصّ على صحّته أيضاً كبار الأئمّة: كابن عبدالبرّ صاحب الإستيعاب(4)، والمزّي صاحب تهذيب الكمال(5)، والسيوطي(6)، والمتقي(7)، وغيرهم.
ويقول الذهبي حيث يروي هذا الحديث في ]رسالته في حديث الغدير[(8)عن بريدة: «وهو حديث ثابت عن بريدة».
أمّا اللفظ الذي يروونه عن عمران بن حصين، فممّن أخرجه وصحّحه:
ابن أبي شيبة في ]المصنّف[(9).
وابن أبي شيبة ـ كما تعلمون ـ شيخ البخاري صاحب الصحيح، وكتابه المذكور من أقدم المصادر الحديثيّة وقد رواه عنه المتقي في كنز العمّال(10).
وقد نصّ على صحّته أيضاً.
جلال الدين السيوطي(11).
والمتقي الهندي صاحب كنز العمّال(12).
اللفظ الذي يروونه عن عمران، فيه شيء من التفصيل، وهذا نصّه كما في ]كنز العمّال[(13):
عن ابن أبي شيبة والطبري عن عمران بن حصين يقول: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله سرية واستعمل عليها علياً، فغنموا، فصنع علي شيئاً فأنكروه، وفي لفظ: فأخذ علي من الغنيمة جارية، فتعاقد أربعة من الجيش إذا قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أنْ يعلموه، وكانوا إذا قدموا من سفر بدأوا برسول اللّه، فسلّموا عليه ونظروا إليه ثمّ ينصرفون إلى رحالهم، فلمّا قدمت السريّة سلّموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول اللّه ألم تر أنّ عليّاً قد أخذ من الغنيمة جارية. فأعرض عنه رسول اللّه، ثمّ قام الثاني فقال مثل ذلك، فأعرض عنه رسول اللّه، ثمّ قام الثالث فقال مثل ذلك، فأعرض عنه، ثمّ قام الرابع.
فأقبل إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يعرف الغضب في وجهه فقال: «ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ علي منّي وأنا من علي، وعلي وليّ كلّ مؤمن بعدي».
هذا لفظ كتاب المصنف ولفظ أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري على ما يرويه عنهما المتقي الهندي في كنز العمال.
وكذا الحديث في ]المسند[ لأحمد بن حنبل وفي آخره: «فأقبل رسول اللّه على الرابع وقد تغيّر وجهه فقال: دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي»(14).
وفي ]صحيح الترمذي[: فأقبل إليه ـ أي إلى الرابع ـ رسول اللّه، والغضب يعرف في وجهه فقال: «ما تريدون من علي، ما تريدون من علي، ما تريدون من علي، إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي»(15).
وكذا تجدون الحديث في ]صحيح ابن حبّان[(16)، وفي ]خصائص النسائي[(17)، وفي ]المستدرك[ وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه(18).
وكذا تجدون الحديث في المصادر الأُخرى.
إذن، قرأنا لفظ الحديث عن ابن عباس، فكان حديثاً مختصراً لم يرووا منه إلاّ ذلك المقدار المستشهد به، ثمّ قرأنا الحديث عن عمران بن حصين وفيه بعض التفصيل، وذكر تلك القضية التي قال فيها رسول اللّه هذا الكلام.
لكن عند بريدة الخبر الصحيح «وعند جهينة الخبر الصحيح» فلننظر ماذا يروي بريدة بن الحصيب، فإنّه صاحب القضيّة، وهو الرجل الرابع الذي أقبل إليه رسول اللّه وقال له ما قال، إلاّ أنّهم لم يذكروا اسمه، إنّه ينقل القصة كاملةً، والراوي عنه ولده عبداللّه، يقول بريدة:
أرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلى اليمن جيشين، على أحدهما علي بن أبي طالب وعلى الآخر خالد بن الوليد، قال صلّى اللّه عليه وآله: «إذا كان قتال فعلي على الناس كلّهم»، فالتقى الجيشان، وكان علي عليه السّلام على الجيشين، وكان خالد تحت إمرة علي بأمر من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، فافتتح علي حصناً.
يقول بريدة: فغنمنا، فخمّس علي الغنائم، وكانت في الخمس جارية حسناء فأخذها عليّ لنفسه، فخرج ورأسه يقطر.
يقول بريدة: كنت أبغض عليّاً بغضاً لم أُبغضه أحداً قط، وأحببت خالداً حبّاً لم أُحبّه إلاّ على بغض علي، لأنّ خالداً كان يبغض عليّاً، فلمّا أخذ علي الجارية من الخمس، دعا خالد بن الوليد بريدة وقال له: إغتنمها ـ وكلاهما يبغضان عليّاً ـ اغتنمها فأخبر النبي بما صنع.
هذا لفظ الطبراني في ]المعجم الأوسط[(19).
وفي ]تاريخ دمشق[ لابن عساكر: فقال خالد بن الوليد: دونك يا بريدة.
يقول بريدة: فكتب بذلك خالد بن الوليد إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله، وأمرني أن أنال منه، وهذا لفظ النسائي أيضاً.
وفي تاريخ دمشق: فكتب معي خالد يقع في علي وأمرني أنْ أنال منه، فأعطى الكتاب بيد بريدة وعبّأ معه ثلاثة(20).
وكأنّه يريد بذلك إقامة البيّنة اللازمة على ما صنع علي عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.
يقول بريدة ـ كما في المعجم الأوسط(21) للطبراني وغيره من المصادر ـ : فقدمت المدينة، ودخلت المسجد، ورسول اللّه في منزله، وناس من أصحابه على بابه، فقالوا: ما أقدمك؟ قال: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأُخبر النبي، قالوا: فأخبِره فإنّه يسقطه من عين رسول اللّه، ورسول اللّه في البيت يسمع الكلام،هذا لفظ الطبراني.
فخرج رسول اللّه من بيته، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول اللّه، ألم تر أنّ عليّاً صنع كذا وكذا، فأعرض عنه النبي، ثمّ قال الثاني ما قال الأوّل، فأعرض عنه رسول اللّه، ثمّ قام الثالث فقال ما قال، فأعرض عنه رسول اللّه.
يقول بريدة: أعطيته الكتاب، فأخذه بشماله، فطأطأت رأسي، فتكلّمت في علي حتّى فرغت، فرفعت رأسي.
ويقول كما في لفظ آخر: وكنت من أشدّ الناس بغضاً لعلي، فوقعت في علي حتّى فرغت، فرفعت رأسي.
يقول: فرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله غضب غضباً لم أره غضب مثله إلاّ يوم قريظة وبني النضير، فقال: «ماذا تريدون من علي؟ ماذا تريدون من علي؟ ماذا تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا من علي، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي».
ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ـ كما في ]سنن البيهقي[(22)، وفي ]معجم الصحابة[(23) لأبي نعيم الإصفهاني، و]تاريخ دمشق[ لابن عساكر(24)، وفي ]سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد[(25)، وفي غيرها من المصادر، فراجعوها إن شئتم ـ : قال لهم رسول اللّه: «إنّ له في الخمس أكثر من ذلك».
ثمّ قال صلّى اللّه عليه وآله ـ كما في ]المستدرك[ للحاكم، وفي ]المختارة [للضياء المقدسي، وفي ]المعجم الأوسط[(26) وفي غيرها من المصادر(27): «إنّه ]أي علي [لا يفعل إلاّ ما يؤمر»، أو: «إنّما يفعل علي بما يؤمر به».
ثمّ التفت إلى بريدة قائلاً: «أنافقت من بعدي يا بريدة؟» فقال بريدة: يا رسول اللّه، أما بسطت يدك حتّى أُبايعك على الإسلام جديداً! قال: فما فارقته حتّى بايعته، أي بايعت رسول اللّه على الإسلام.
يقول بريدة: فقمت وما من الناس أحد أحبّ إليّ من علي.
لاحظوا الفوارق بين روايتهم للقصة عن عمران بن حصين وعن بريدة ابن الحصيب، ولاحظوا، كيف تلاعبوا بالقضية فزاد أحدهم ونقص الآخر، ذكر بعضهم بعض القصة ولم يذكر البعض الآخر، وأحدهم أو عدّة منهم يذكرون القصة مبتورة.
فهذه هي القصة كما يرويها بريدة بن الحصيب وهو صاحب القصة.
(1) مسند أبي داود الطيالسي: 360 رقم 2752.
(2) المستدرك على الصحيحين 3 / 134.
(3) مسند أحمد 4 / 438.
(4) الإستيعاب في معرفة الأصحاب 3 / 1092.
(5) المزّي في تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف 5 / 191 رقم 6316، تهذيب الكمال 20 / 481.
(6) القول الجليّ في فضائل عليّ عليه السلام: 60.
(7) كنز العمّال 11 / 608.
(8) عثر عليها المرحوم المحقق العلاّمة السيد عبدالعزيز الطباطبائي رحمة اللّه عليه وحقّقها. أنظر: الحديث رقم 81 .
(9) المصنّف 7 / 504.
(10) كنز العمّال 11 / 608.
(11) القول الجليّ في فضائل عليّ عليه السلام: 60.
(12) كنز العمّال 13 / 142.
(13) المصدر 13 / 142 رقم 36444.
(14) مسند أحمد 4 / 438.
(15) سنن الترمذي (الجامع الصحيح) 6 / 78 رقم 3712.
(16) صحيح ابن حبّان 15 / 373 رقم 6929.
(17) خصائص أمير المؤمنين عليه السلام: 98، فضائل الصحابة: 14 رقم 43، سنن النسائي 5 / 132.
(18) المستدرك على الصحيحين 3 / 110 ـ 111.
(19) المعجم الأوسط 6 / 163.
(20) تاريخ مدينة دمشق 42 / 189 ـ 196.
(21) المعجم الأوسط 6 / 162.
(22) سنن البيهقي 6 / 342.
(23) معرفة الصحابة 1 / 374 حديث 1207.
(24) تاريخ مدينة دمشق 42 / 194.
(25) سبل الهدى والرشاد 6 / 236.
(26) المعجم الأوسط 6 / 162.
(27) تاريخ مدينة دمشق 42 / 191، سبل الهدى والرشاد 11 / 295، كنز العمّال 11 / 612، حديث 32963.