نصوص من حديث الأئمّة اثنا عشر:
أخرج أحمد في ]المسند[ عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقول: «يكون لهذه الأُمّة اثنا عشر خليفة»(1).
أخرج أحمد أيضاً عن مسروق قال: كنّا جلوساً عند عبداللّه ابن مسعود وهو يقرؤنا القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبدالرحمن، هل سألتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كم تملك هذه الأُمّة من خليفة؟ فقال: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثمّ قال: نعم، ولقد سألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فقال: «إثنا عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل»(2).
في هذا اللفظ توجد هذه الإضافة: «كعدّة نقباء بني إسرائيل».
وأخرج أحمد عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي: أخبرني بشيء سمعته من رسول اللّه، قال: فكتب إليّ: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يوم جمعة عشية رجم الأسلمي ـ يعطي علامة أنّه في ذلك اليوم المعين الذي رجم فيه فلان ـ سمعته يقول: «لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش»(3).
لاحظوا الإضافات في هذا اللفظ عن نفس جابر الراوي لهذا الحديث.
وأخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة، نفس هذا الشخص قال: دخلت مع أبي على النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فسمعته يقول: «إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة»، ثمّ تكلّم بكلام خفي عَلَيّ، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: قال: «كلّهم من قريش»(4).
في هذا اللفظ إضافة، والتفتوا إلى هذه الفوارق.
وأمّا البخاري فيروي في ]صحيحه[ عن جابر نفسه: سمعت النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقول: «إثنا عشر أميراً» فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنّه يقول: «كلّهم من قريش»(5).
وأخرج ]الترمذي[ عن جابر نفسه قال: قال رسول اللّه: «يكون من بعدي اثنا عشر أميراً»، ثمّ تكلّم بشيء لم أفهما فسألت الذي يليني فقال: قال «كلّهم من قريش»، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن جابر بن سمرة، وفي الباب عن ابن مسعود وعبداللّه بن عمرو(6).
وأمّا في ]صحيح أبي داود[ يقول جابر، ـ الرواية عن جابر نفسه ـ : سمعت رسول اللّه يقول: «لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة»، قال: فكبّر الناس وضجّوا، ثمّ قال كلمة خفيت، قلت لأبي: يا أبه، ما قال؟ قال: «كلّهم من قريش»(7).
يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني: أصل هذا الحديث في ]صحيح مسلم [بدون كلمة: فكبّر الناس وضجّوا(8).
وقد قرأنا عبارته، لم تكن فيه هذه الجملة: فكبّر الناس وضجّوا، لكنّها موجودة في ]صحيح أبي داود[.
وللطبراني لفظ آخر، يقول الطبراني عن جابر بن سمرة: «يكون لهذه الأُمّة اثنا عشر قيّماً» ـ لم يقل خليفة، ولم يقل أميراً ـ «لا يضرّهم من خذلهم، كلّهم من قريش»(9).
قال ابن حجر في ]فتح الباري في شرح البخاري[: ووقع عند الطبراني من وجه آخر هذا الحديث في آخره يقول جابر هذا الراوي يقول: فالتفتُ فإذا أنا بعمر بن الخطّاب وأبي في أُناس، فأثبتوا إليّ الحديث(10).
هذه هي الألفاظ التي انتخبتها، واكتفيت بها لإلقائها في هذه الجلسة.
ولاحظوا أوّلاً ألفاظ الحديث إلى الآن، ففي بعض الألفاظ: «إثنا عشر خليفة»، وفي بعض الألفاظ: «إثنا عشر أميراً»، وفي بعض الألفاظ: «إثنا عشر قيّماً»، وبين الكلمات فرق كبير.
ثمّ، في بعض الألفاظ: «لا يزال هذا الدين عزيزاً»، وفي بعض الألفاظ توجد جملة: «لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة…»، وفي بعض الألفاظ: «لا يضرّهم من خذلهم».
فلماذا نقل بعض الرواة هذه الألفاظ دون البعض الآخر؟ لماذا لم تكن جملة «فكبّر الناس وضجّوا» في صحيح مسلم، والحال أنّ الحديث نفس الحديث كما ينصّ الحافظ ابن حجر؟ فلماذا غير مسلم يأتي بهذه الجملة دون مسلم؟! أمّا البخاري فلم ينقل من هذه النقاط الإضافيّة المهمة شيئاً!
تارة: المتكلم يتكلّم ثمّ يخفض صوته فلا يسمع كلامه، وتارة: المتكلم لا يخفض صوته، وإنّما الصياح في أطرافه والضجّة من حوله تمنع من وصول كلامه وبلوغ لفظه، وفي أكثر الألفاظ يقول جابر: إنّه قال كلمة لم أسمعها، قال كلمة لم أفهمها، قال كلمة خفيت عَلَيّ.
ولسائل أن يسأل: ما هو السبب في خفاء هذه الكلمة أو غيرها من الكلمات على جابر؟ جابر الذي ينقل الحديث من رسول اللّه ويقول: سمعته.. فلمّا وصل إلى هنا خفّض رسول اللّه صوته أو كانت هناك أسباب وعوامل خارجية؟ فهذه العوامل الخارجية مَن الذي أحدثها وأوجدها؟ لماذا قال رسول اللّه بعض الحديث وسُمع كلامه وبعض الحديث خفي ولم يُسمَع؟ وماذا قال؟ وهل كان لعمر بن الخطّاب وأصحابه دور في خفاء صوته وعدم بلوغ لفظه إلى الحاضرين؟ أو لم يكن؟
لسائل أن يسأل عن هذه الأُمور، والمحقق لا يترك مثل هذه القضايا على حالها، المحقق لا يتجاوز هذه الأشياء بلا حساب، تارةً يراد منّا أنْ نقرأ ونسكت، وتارة يراد منّا أن نسمع ونسلّم، وتارة يراد منّا أن نحقق ونفهم.
لقد وجدنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لمّا أمر بالإتيان بدواة وقرطاس إليه، كثر اللغطُ من حوله، وجعل الحاضرون يتصايحون، لئلاّ يسمع كلامه، ولئلاّ يلبّ طلبه! وحينئذ قال عمر كلمته المشهورة في تلك القضية!! أتستبعدون أن يكون رسول اللّه قد قال هنا كلمات ومنعوا الحاضرين من سماع تلك الكلمات لئلاّ ينقلوها إلى من بعدهم، عن طريق إحداث الضجّة من حوله والتكبير؟ وماذا قال رسول اللّه حتّى يكبّروا كما جاء في الحديث: فكبّر الناس وضجّوا؟ لما ذا؟ وأيّ مناسبة بين قوله صلّى اللّه عليه وآله: «يكون بعدي خلفاء…» وبين التكبير، وبين الضجّة؟ ولماذا؟
وعندما بحثت عن ألفاظ الحديث، وجدت في عمدة المصادر لا يلتفتون إلى هذه الحقيقة، أوْ لا ينبّهون على هذه النقطة، حتّى عثرت على اسم عمر بن الخطّاب في أحد ألفاظه، هذا المقدار الذي بحثت عنه، وقارنت بين القضيّة هذه وبين قضية الدواة والقرطاس.
وإن أردتم مزيداً من التأكيد والتوضيح، فراجعوا بعض مؤلفات أهل السنّة من المتأخرين، حتى تجدوا الحديث عن نفس جابر وبنفس السند الذي في صحيح البخاري، كانت تلك الكلمة التي خفيت على جابر: «كلّهم من بني هاشم»(11) وليس «كلّهم من قريش» فماذا حدث؟ وماذا فعل القوم؟ وكيف انقلبت ألفاظ رسول اللّه، تغيّرت من لفظ إلى لفظ على أثر الضجّة؟ منعوا من سماع الكلمة وحالوا دون وصول كلامه، فإذا سُئِلوا ماذا قال؟ أجابوا بغير ما قال رسول اللّه؟ قال: «كلّهم من قريش».
لكن عبدالملك بن عمير، يروي الخبر عن جابر نفسه أنّه قال: «كلّهم من بني هاشم»، وعبدالملك بن عمير نفس الراوي عن جابر في ]صحيح البخاري[(12)، فراجعوا.
نحن وإنْ كنّا لا نوافق على وثاقة عبدالملك بن عمير، هذا الرجل عندنا مطعون ومجروح، لأنّه كان قاضي الكوفة، وعندما أرسل الحسين عليه السّلام إلى الكوفة رسولاً من قبله، وقبض عليه في الطريق وأمر عبيداللّه بن زياد بأن يأخذوه إلى سطح قصر دار الأمارة وإلقائه من أعلى القصر إلى الأرض، فسقط على الأرض وبه رمق، جاء عبدالملك بن عمير، وذبح هذا الرجل في الشارع، فلمّا اعتُرض عليه قال: أردت أنْ أُريحه.
هذا الشخص ـ عبدالملك ـ ليس عندنا بثقة، لكنّه من رجال الصحاح الستّة.
عبدالملك بن عمير يروي الحديث عن جابر وفيه بدل «كلّهم من قريش» جملة «كلّهم من بني هاشم».
وأيضاً، فقد وافق عبدالملك بن عمير في رواية الحديث عن جابر بلفظ «كلّهم من بني هاشم»: سماك بن حرب، وسماك بن حرب من رجال مسلم، ومن رجال البخاري في تعليقاته، ومن رجال الصحاح الأربعة الأُخرى.
فعبدالملك وسماك كلاهما يرويان عن جابر هذا الحديث نفسه بلفظ «كلّهم من بني هاشم».
وإذا ما رجعتم إلى كتب أصحابنا وجدتموهم يروون هذا الحديث بأسانيدهم إلى جابر نفسه، وتجدون الحديث مشتملاً على ألفاظ وخصوصيات أُخرى، وسأقرأ لكم تلك الخصوصيات عندما أُريد أنْ أستدلّ بهذا الحديث على إمامة الأئمّة عليهم السّلام.
وإلى الآن عرفنا من هذه الأحاديث:
أوّلاً: عدد الأئمّة على وجه التحديد، عدد الخلفاء، أو القوّام على هذا الدين على وجه التحديد: اثنا عشر.
ثانياً: يقول رسول اللّه بأنّ هؤلاء باقون إلى قيام الساعة.
ثالثاً: يقول رسول اللّه بأنّ عزّ الإسلام منوط بوجود هؤلاء، بإمامة هؤلاء، بخلافة هؤلاء.
رابعاً: هؤلاء أئمّة قوّام للدين، وإن خُذِلوا وإن خولفوا.
يقول أصحابنا: بأنّ المراد من هذا العدد وهؤلاء الذين ذكرهم رسول اللّه أو أشار إليهم، هم أئمّتنا الاثنا عشر سلام اللّه عليهم.
ومن العجيب: أنّ إمامة أئمّتنا بنفس العدد والنص موجود في الكتب السماوية السابقة، وثابت عند أهل الكتاب وأهل الأديان السالفة، ولذا لو أنّ أحداً من أهل الكتاب أسلم، صار شيعيّاً، وهذا ما ينصّ عليه ابن تيميّة أيضاً، كما في كتابه المسمّى ]منهاج السنّة[(13).
(1) مسند أحمد 5 / 16.
(2) مسند أحمد 1 / 398.
(3) المصدر 5 / 86.
(4) صحيح مسلم 6 / 3 ـ 4.
(5) صحيح البخاري 9 / 101.
(6) سنن الترمذي 4 / 80 رقم 2223.
(7) سنن أبي داود 2 / 3094 رقم 4280.
(8) فتح الباري 13 / 180.
(9) المعجم الكبير 2 / 196 رقم 1794.
(10) فتح الباري 13 / 180.
(11) ينابيع المودّة 2 / 315 رقم 908، 3 / 290 رقم 4.
(12) صحيح البخاري 9 / 101.
(13) منهاج السنّة 4 / 326 ـ 327.