مناقشة الاجماع على خلافة أبي بكر
ويبقى الإجماع، إجماع الصّحابة على خلافة أبي بكر، وأنتم أعرف بحاله، ولا أحبّ الدخول في هذا البحث، لأنّه سيجرّنا إلى قضايا قد لا يقتضي ذكرها في الوقت الحاضر.
وأيّ إجماع هذا الذي يدّعونه على إمامة أبي بكر؟! وتلك قضايا السقيفة وملابسات بيعة أبي بكر وإمامته التي يقولون، ولربّما نتعرّض لبعض النقاط المتعلّقة بهذا الأمر في بحثنا عن الشورى التي خصّصنا لها ليلة.
ولكن الذي يكفي أن أقوله هنا هو: أنّ صاحب ]شرح المقاصد[(1) وغيره من كبار علماء الكلام يقولون: بأنّا عندما ندّعي الإجماع، لا ندّعي وقوع الإجماع حقيقةً، عندما نقول قام الإجماع على خلافة أبي بكر، ليس بمعنى أنّ القوم كلّهم كانوا مجمعين وموافقين على إمامته، بل إنّ إمامته قد وقعت في الحقيقة ببيعة عمر فقط وفي السقيفة، بعد النزاع بين الحاضرين من المهاجرين والأنصار، وإلقاء النزاع بين الأنصار الأوس والخزرج، يكفي أنْ أُشير إلى هذا المطلب.
لكن مع ذلك، عندما نراجع هذه الكتب يقولون بأنّ الأولى أنْ نسكت عن مثل هذه القضايا ولا نتكلّم عنها، فإنّ رسول اللّه قد أمر بالسكوت عمّا سيقع بين أصحابه، فلا داعي لطرح مثل هذه القضايا وللتعرض لمثل هذه الأُمور.
وإنّي أرى من المناسب أنْ أقرأ لكم نصّ عبارة السعد التفتازاني في ]شرح المقاصد[، لتروا كيف يضطربون، وإنّهم إلى أين يلتجئون، يقول السعد:
إنّ جمهور علماء الملّة وعلماء الأُمة أطبقوا على ذلك ـ أي على إمامة أبي بكر ـ وحسن الظن بهم يقتضي بأنّهم لو لم يعرفوه بدلائل وإمارات لما أطبقوا عليه.
قلت: إذا كان كذلك، إذا كنّا مقلّدين للصحابة من باب حسن الظن بهم، فلماذا أتعبنا أنفسنا؟ ولماذا اجتهدنا فنظرنا في الأدلّة وجئنا بالآية والحديث، كنّا من الأوّل نقول: بأنّا في هذه المسألة مقلّدون للصحابة، فعلوا كذا ونحن نقول كذا، لاحظوا، ثمّ يقول التفتازاني:
يجب تعظيم الصحابة والكفّ عن مطاعنهم، وحمل ما يوجب بظاهره الطّعن فيهم على محامل وتأويلات، سيّما المهاجرين والأنصار.
(1) شرح المقاصد 5 / 254.