ملاك الأحبية على صعيد الواقع التاريخي
وأمّا على صعيد الواقع التاريخي، أذكر لكم شاهدين فقط، حتّى تعرفوا أنّ استدلالنا بحديث الطير على إمامة أمير المؤمنين لا مجال لأيّ خدشة فيه من أيّ أحد من الأوّلين والآخرين.
الشاهد الأوّل:
إنّهم يروون عن عمر بن الخطّاب أنّه قيل له لمّا طعن: لو استخلفت، فقال: لو كان أبو عبيدة حيّاً لاستخلفته.
لا أُريد أنْ أخرج عن موضوع البحث، وإلاّ فعندي تعليق هنا، يقول: لو كان أبو عبيدة حيّاً لا ستخلفته.
فإنْ سأله اللّه: لماذا وبأيّ ملاك استخلفت أبا عبيدة؟
يقول: وقلت لربّي إنْ سألني: سمعت نبيّك يقول: أبو عبيدة أمين هذه الأُمة.
ولي تعليق على هذا الحديث أتركه إلى وقت آخر.
ويقول عمر أيضاً: ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً استخلفته.
وعندي تعليق هنا، أتركه لوقته.
يقول: فقلت لربّي إنْ سألني: سمعت نبيّك يقول: إنّ سالماً شديد الحبّ للّه.
يقول عمر بن الخطّاب: لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً لاستخلفته، هذا الشخص المولى، ولاعتذرت إلى اللّه بأنّي سمعت نبيّك يقول: إنّ سالماً شديد الحبّ للّه.
إذن، أصبح الحبّ ملاكاً ومعياراً للخلافة، وهو مولى، وقد أجمعوا على أنّ الإمام يجب أن يكون من قريش.
لكنْ لماذا كان سالم مولى أبي حذيفة بهذه المثابة في نظر عمر بن الخطّاب؟ نتركه لوقته.
هذا هو الشاهد الأوّل.
هذا الشاهد موجود في ]تاريخ الطبري[(1)، وفي تاريخ ابن الأثير ]الكامل[(2)، فراجعوا.
الشاهد الثاني:
والأهم من هذا هو الشاهد الثاني، تجدونه في ]صحيح البخاري[ في قضيّة السقيفة نفسها، في بيعة أبي بكر بالذات، يقول الراوي والعبارة هكذا:
«اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقال أبو بكر: نحن الأُمراء وأنتم الوزراء، فقال عمر: نبايعك أنت، فأنت سيّدنا وخيّرنا وأحبّنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، فبايعه عمر وبايعه الناس»(3).
فأصبحت الأحبية إلى رسول اللّه هي الملاك على صعيد الواقع، دعنا عن البحث الصغروي، فله مجال آخر، نستدلّ الآن بهذا الحديث على ما هو في صحيح البخاري صدقاً أو كذباً، حجة عليهم ونحن نلزمهم بهذه الحجة.
عمر بن الخطّاب يدّعي لأبي بكر إنّه كان أحبّ الخلق إلى النبي، ولذا نادى ـ أمام الأنصار وغيرهم ـ بأنّ أبا بكر هو المتعيَّن للخلافة; لأنّه أحبّ الخلق إلى رسول اللّه.
لكن حديثنا حديث متواتر قطعي الصدور عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، مقبول بين الطرفين، وقد ذكرت لكم أسماء عدّة من رواته، وذكرت لكم كيفيّة الإستدلال به، وفقه هذا الحديث.
(1) تاريخ الطبري 2 / 580.
(2) الكامل في التاريخ 3 / 65.
(3) صحيح البخاري 5 / 7 ـ 8.