مع ابن تيمية:
وإذا بلغ الأمر إلى هذه المرحلة، فلا بأس بأن ننظر في عبارة ابن تيميّة حول هذا الحديث وهذا الإستدلال، نصّ عبارته هكذا:
قد وضع بعض الكذّابين حديثاً مفترى أنّ هذه الآية نزلت في علي لمّا تصدّق بخاتمه في الصلاة، وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل، وكذبه بيّن.
ويضيف هذا الرجل: وأجمع أهل العلم بالنقل على أنّها لم تنزل في علي بخصوصه، وأنّ عليّاً لم يتصدّق بخاتمه في الصلاة.
وأجمع أهل العلم بالحديث على أنّ القصّة المرويّة في ذلك من الكذب الموضوع، وأنّ جمهور الأُمّة لم تسمع هذا الخبر(1).
فليسمع المقلّدون لابن تيميّة في بحوثهم العلميّة، ولينتبه أُولئك الذين يأخذون من مثل هذا الرجل عقائدهم وأحكامهم وسننهم وآدابهم.
فالقاضي الإيجي والشريف الجرجاني وكبار علماء الكلام ـ وهذه كتبهم موجودة ـ ينصّون على إجماع المفسّرين بنزول الآية المباركة في علي في القصّة الخاصّة هذه، ويقول هذا الرجل: إنّ بعض الكذّابين قد وضع هذا الخبر المفترى، وعلي لم يتصدّق بخاتمه، وأجمع أهل العلم في الحديث!!
أتصوّر أنّه يقصد من أهل العلم ـ حيث يدّعي إجماعهم ـ نفسه فقط أو مع بعض الملتفّين حوله، فإذا رأى نفسه على هذا الرأي، ورأي اثنين أو ثلاثة من الأشخاص يقولون برأيه، يدّعي إجماع أهل الحديث وأهل النقل، بل وإجماع الأُمّة كلّهم على ما يراه هو، وكأنّ الإجماع في كيسه، متى ما أراد أن يخرجه من كيسه أخرجه وصرفه إلى الناس، وعلى الناس أن يقبلوا منه ما يدّعي!
وعلى كلّ حال، فهذه القضيّة واردة في كتبهم وكتبنا، في تفاسيرهم وتفاسيرنا، في كتبهم في الحديث وكتبنا.
مثلاً: لو أنّكم تراجعون من التفاسير: تفسير الثعلبي، تفسير الطبري، وأسباب النزول للواحدي، وتفسير الفخر الرازي، وتفسير البغوي، وتفسير النسفي، وتفسير القرطبي، وتفسير أبي السعود، وتفسير الشوكاني، وتفسير ابن كثير، وتفسير الآلوسي، والدر المنثور للسيوطي… .
لرأيتم أنهم كلّهم ينقلون هذا الخبر، بعضهم يروي بالسند، وبعضهم يرسل الخبر إرسال المسلّم(2)، وكأنّ هؤلاء كلّهم ليسوا من هذه الأُمّة!!
وعلى كلّ حال، فالقضيّة لا تقبل أيّ شك وأيّ مناقشة من جهة السند، ومن ناحية شأن النزول، وبهذا ينتهي بحثنا عن الجهة الأُولى.
(1) منهاج السنّة 2 / 30.
(2) تفسير الثعلبي (الكشف والبيان) 4 / 80، تفسير ابن أبي حاتم 4 / 1162، تفسير الطبري 6 / 186، تفسير السمعاني 2 / 47، أسباب النزول 147 ـ 148، تفسير العز الدمشقي 1 / 393، تفسير ابن كثير 2 / 73 ـ 74، تفسير الزمخشري 1 / 624، الدرّ المنثور 3 / 105، تفسير الرازي 12 / 26، تفسير النسفي (مدارك التنزيل) 1 / 328، وراجع من كتب الحديث مثلاً: جامع الأصول 9 / 478، المعجم الأوسط 6 / 218، تاريخ مدينة دمشق 42 / 356.