معنى الولاية:
الولاية: مشترك، إمّا مشترك معنوي، وإمّا مشترك لفظي، نحن نعتقد بالدرجة الأُولى أن تكون «الولاية» مشتركاً معنويّاً، فمعنى الولاية إذا قيل: فلان وليّ فلان، أي فلان هو القائم بأمر فلان، فلان ولي هذه الصغيرة، أي القائم بشؤون هذه الصغيرة، فلان وليّ الأمر أي القائم بشؤون هذا الأمر، ولذا يقال للسّلطان: ولي.
هذا المعنى هو واقع معنى الولاية.
ونجد هذا المعنى في جميع موارد استعمال لفظ الولاية ومشتقّاته، مثلاً: الصديق وليّ، الجار وليّ، الحليف وليّ، الأب وليّ، اللّه وليّ، ورسوله وليّ، وهكذا في الموارد الأُخرى من الأولياء. فإنّ المعنى الذي ذكرناه موجود في جميع الموارد، وهو القيام بالأمر.
هذا هو معنى الولاية على ضوء كلمات علماء اللغة، فلو تراجعون كتب اللغة(1) تجدون أنّ هذه الكلمة يذكرون لها هذا المعنى الأساسي، وهذا المعنى موجود في جميع تلك الموارد المتعددة مثلاً: الجار له الولاية أي الجار له الأولويّة في أن يقوم بأمور جاره، يعني لو أنّ مشكلة حدثت لشخص، فأقرب الناس في مساعدته في تلك المشكلة والقيام بشؤون ذلك الشخص هو جاره، هذا حقّ الجوار، مثلاً الحليف كذلك، مثلاً الناصر أو الأخ، هذه كلّها، لكن المعنى الوحداني الموجود في جميع هذه الموارد هو القيام بالأمر.
هذا بناء على أن تكون الولاية مشتركاً معنويّاً.
وأمّا إذا جعلنا الولاية مشتركاً لفظيّاً، فمعنى ذلك أن يكون هناك مصاديق متعدّدة ومعاني متعدّدة للّفظ الواحد، مثل كلمة العين، فهي مشترك لفظي، ويشترك في هذا: العين الجارية، والعين الباصرة، وعين الشمس، وغير ذلك كما قرأتم في الكتب الأُصوليّة.
فالإشتراك ينقسم إلى إشتراك معنوي وإشتراك لفظي، وفي الدرجة الأُولى نستظهر أن تكون الولاية مشتركاً معنوياً، وعلى فرض كون المراد من الولاية هو المعنى المشترك بالاشتراك اللفظي، فيكون من معاني لفظ الولاية: الأحقيّة بالأمر، الأولويّة بالأمر، فهذا يكون من جملة معاني لفظ الولاية، وحينئذ، فلتعيين هذا المعنى نحتاج إلى قرينة معيّنة، كسائر الألفاظ المشتركة بالإشتراك اللفظي.
وحينئذ لو رجعنا إلى القرائن الموجودة في مثل هذا المورد، لرأينا أنّ القرائن الحاليّة والقرائن اللفظيّة، وبعبارة أُخرى القرائن المقاميّة والقرائن اللفظيّة، كلّها تدلّ على أنّ المراد من الولاية في هذه الآية هو المعنى الذي تقصده الإماميّة، وهو الأولويّة والأحقيّة بالأمر.
ومن جملة القرائن اللّفظيّة نفس الروايات الواردة في هذا المورد.
يقول الفضل ابن روزبهان في ردّه(2) على العلاّمة الحلّي رحمة اللّه عليه: إنّ القرائن تدلّ على أنّ المراد من الولاية هنا النصرة، فـ (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا)، أي إنّما ناصركم اللّه ورسوله والذين يقيمون الصلاة. إلى آخر الآية المباركة.
فابن روزبهان يجعل الولاية بمعنى النصرة، والنصرة أحد معاني لفظ الولاية كما في الكتب اللغويّة(3)، لكن الروايات الواردة في القضيّة تنفي أن يكون المراد من الولاية هنا النصرة.
مثلاً: هذه الرواية ـ وهي موجودة في ]تفسير[ الفخر الرازي(4)، وتفسير الثعلبي(5)، وفي كتب أُخرى(6) ـ : أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله لمّا علم بأنّ عليّاً تصدّق بخاتمه للسائل، تضرّع إلى اللّه وقال: «اللهمّ إنّ أخي موسى سألك قال: (رَبِّ اشْرَحْ لي صَدْري * وَيَسِّرْ لي أَمْري * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِساني * يَفْقَهُوا قَوْلي وَاجْعَلْ لي وَزيرًا مِنْ أَهْلي * هارُونَ أَخي * اشْدُدْ بِهِ أَزْري * وَأَشْرِكْهُ في أَمْري * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصيرًا) فأوحيت إليه: (قَدْ أُوتيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى)(7)، اللهمّ وإنّي عبدك ونبيّك فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً أُشدد به ظهري…» قال أبو ذر: فو اللّه ما استتمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الكلمة حتّى هبط عليه الأمين جبرائيل بهذه الآية: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ) إلى آخر الآية.
فهل يرتضي عاقل فاهم له أدنى إلمام بالقضايا، وباللّغة، وبأُسلوب القرآن، وبالقضايا الواردة عن رسول اللّه، هل يعقل حمل الولاية في هذه الآية مع هذه القرائن على النصرة؟ بأن يكون رسول اللّه يطلب من اللّه سبحانه وتعالى أن يعلن إلى الملأ، إلى الناس، بأنّ عليّاً ناصركم، فيتضرّع رسول اللّه بهذا التضرّع إلى اللّه سبحانه وتعالى في هذا المورد، فيطلب من اللّه نزول آية تفيد بأنّ عليّاً ناصر المؤمنين؟ وهل كان من شك في كون عليّاً ناصراً للمؤمنين حتّى يتضرّع رسول اللّه في هذا المورد، مع هذه القرائن، وبهذا الشكل من التضرّع إلى اللّه سبحانه وتعالى، وقبل أن يستتمّ رسول اللّه كلامه تنزل الآية من قبل اللّه (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا) أي إنّما ناصركم اللّه ورسوله والذين آمنوا إلى آخر الآية؟ هل يعقل أن يكون المراد من (وَلِيُّكُمُ) أي ناصركم في هذه الآية مع هذه القرائن؟
إذن، لو أصبحت «الولاية» مشتركاً لفظيّاً، وكنّا نحتاج إلى القرائن المعيّنة للمعنى المراد، فالقرائن الحاليّة والقرائن اللفظيّة كلّها تعيّن معنى واحداً وهو: الأولويّة، فالأولويّة الثابتة للّه وللرسول ثابتة للذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة يؤتون الزكاة وهم راكعون.
إذن، عرفنا معنى «إنّما» ومعنى «الولاية» في هذه الآية.
ثمّ الواو في (وَالَّذينَ آمَنُوا) هذه الواو عاطفة، وأمّا الواو التي في (وَهُمْ راكِعُونَ) هذه الواو حاليّة أي في حال الركوع.
حينئذ، يتّم الإستدلال، إنّما وليّكم أي إنّما الأولى بكم: اللّه ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.
وإذن، فقد تمّ بيان شأن نزول الآية المباركة، وتمّ بيان وجه الإستدلال بالآية المباركة بالنظر إلى مفرداتها واحدة واحدة.
(1) الصحاح 6 / 2530.، لسان العرب 15 / 406، تاج العروس 10 / 399، في مادة «ولي».
(2) أنظر: إحقاق الحقّ 2 / 408.
(3) المصدر.
(4) تفسير الرازي 12 / 265.
(5) تفسير الثعلبي 4 / 80.
(6) شواهد التنزيل 1 / 230، نظم درر السمطين: 87 .
(7) سورة طه (20): 25 ـ 36.