مسألة دلالة حديث الغدير على إمامة علي عليه السّلام بعد عثمان:
وإذ رأوا أنْ لا جدوى في هذه المزاعم وفي تلك المناقشات، مثل إنكار وجود علي في يوم الغدير، وإنكار تواتر حديث الغدير، وإنكار مجيء المولى معنى الأولى.
إذن، يضطرّون لأنْ يسلّموا بدلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين وكونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم كالنبي صلّى اللّه عليه وآله، لكنّهم لا يريدون أن يعترفوا بالحق وببطلان ما وقع، فقالوا: سلّمنا بأنّ الحديث يدلّ على الإمامة، لكنْ، لتكنْ الإمامة لعلي بعد عثمان كما هو الحال الواقع، فالحديث يدلّ على الإمامة، لكنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أراد إمامته بعد عثمان!! فهم يسلّمون بدلالة حديث الغدير على الإمامة، لكن يحملون الإمامة على المرتبة الرابعة، بأنْ يكون علي بعد عثمان، فالشيخان أفضل من عثمان عندهم، وعثمان أفضل أم علي؟ بينهم خلاف، وبعضهم يفضّل عليّاً على عثمان.
ولكنّي أعتقد بحسب النظر في أحاديث فضائل المشايخ الثلاثة المرويّة في كتب أهل السنّة أنّ عثمان أفضل من الشيخين، هذا ما أعتقده بحسب أحاديثهم، وهذه دعوى لا بدّ من إثباتها في وقت آخر، وفي فرصة تسنح لطرح مثل هذا البحث، وله أثره، لأنّه في النتيجة، إذا كان عليّ أفضل من عثمان ـ كما هو قول عدّة كبيرة من أعلامهم ـ(1) فيكون عليّ أفضل من الكلّ بالقطع واليقين.
وعلى كلّ حال، فيحملون إمامة عليّ التي يدلّ عليها حديث الغدير على الإمامة بعد عثمان.
لكن هذا الحمل:
أوّلاً: يحتاج إلى أدلّة تفيد حقّية ما يذهبون إليه في الإمامة والخلافة بعد رسول اللّه، فإنْ أقاموا الدليل على صحة إمامة المشايخ الثلاثة، كان حديث الغدير دالاًّ على إمامة عليّ بعدهم، ولكن أنّى لهم ذلك، ولو كان هناك حديث على معتقدهم يفيد القطع واليقين ويكون متّفقاً عليه بين الطرفين، لما كان بيننا نزاع.
إذن، هذه الدعوى أول الكلام، وهي مصادرة بالمطلوب.
وثانياً: مفاد حديث الغدير أنّ عليّاً أولى بهؤلاء من أنفسهم.
وثالثاً: ماذا يفعلون بالأحاديث الصحيحة الواردة في تهنئة المشايخ لعلي يوم غدير خم ومبايعتهم له بالإمامة والخلافة، وقد أصبحت كلمة عمر «بخ بخ لك يا علي، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة»(2) من أشهر الكلمات في العالم، كما أنّ كلمته «لولا علي لهلك عمر»(3) يعرفها العالم والجاهل، يعرفها العالي والداني، حتّى الصبيان أيضاً ربّما يحفظون هذه الكلمة عن عمر في حقّ عليّ.
وكيف يحمل حديث الغدير على إفادة الإمامة بعد عثمان مع تلك البيعة؟ وهل بايعوا على أن يكون بعد ثالثهم؟
وهذا الوجه أيضاً لاينفعهم وهم يعلمون!
(1) أنظر: الصواعق المحرقة: 255.
(2) تاريخ بغداد 8 / 284، تاريخ مدينة دمشق 42 / 233.
(3) تأويل مختلف الحديث: 152، نظم درر السمطين: 130، جواهر المطالب في مناقب علي بن أبي طالب عليه السّلام 1 / 195.