رواة حديث الدار
هذا الخبر يرويه محمّد بن إسحاق مسنداً عن ابن عباس، وهو موجود في كتاب ]كنز العمال[ مع فرق سأذكره فيما بعد.
يرويه صاحب كنز العمال عن:
1 ـ ابن إسحاق.
2 ـ ابن جرير الطبري، صاحب التفسير والتاريخ.
3 ـ ابن أبي حاتم الرازي، صاحب التفسير المعروف.
4 ـ ابن مردويه.
5 ـ أبي نعيم الإصفهاني الحافظ.
6 ـ البيهقي(1).
فرواة هذا الحديث أئمّةٌ أعلام من أهل السنّة، منهم: محمّد بن إسحاق صاحب السيرة، المتوفى سنة 152(2).
محمّد بن إسحاق يروي هذا الخبر عن عبدالغفار بن القاسم، وهو أبو مريم الأنصاري، وهو شيخ من شيوخ شعبة بن الحجاج الذي يلقّبونه بأمير المؤمنين في الحديث ويقولون بترجمته إنّه لا يروي إلاّ عن ثقة(3)، وشعبة بن الحجاج كان يثني على عبدالغفار بن القاسم الذي هو شيخه، لكن المتأخرين من الرجاليين يقدحون في عبدالغفار، لأنّه كان يذكر بلايا عثمان، أي كان يتكلّم في عثمان، أو يروي بعض مطاعنه، ولذا نرى في ]ميزان الإعتدال[ عندما يذكره الذهبي يقول: رافضي(4). فإذا عرفنا وجه تضعيف هذا الرجل وهو التشيع، أو نقل بعض قضايا عثمان، إذا عرفنا هذا السبب للجرح، فقد نصّ ابن حجر العسقلاني في ]مقدمة فتح الباري[ في شرح البخاري على أنّ التشيع بل الرفض لا يضر بالوثاقة، هذا نص عبارة الحافظ ابن حجر العسقلاني في مقدمة شرح البخاري(5).
فإذن، هذا الرجل لا مطعن فيه ولا سبب للجرح، إلاّ أنّه يروي بعض مطاعن عثمان، لكن شعبة تلميذه يروي عنه ويثني عليه، وشعبة ـ كما ذكرنا ـ أمير المؤمنين عندهم في الحديث. فهذا عبدالغفار بن القاسم.
والمنهال بن عمرو، من رجال صحيح البخاري، والصحاح الأربعة الأُخرى فهو من رجال الصحاح ما عدا صحيح مسلم(6).
وأمّا عبداللّه بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطلّب، فهذا من رجال الصحاح الستّة كلّها(7)
عن عبداللّه بن العباس.
عن أمير المؤمنين علي عليه السّلام.
فالسند في نظرنا معتبر، وعلى ضوء كلمات علمائهم في الجرح والتعديل، إلاّ عبدالغفار بن القاسم، الذي ذكرنا وجه الطعن فيه والسبب في جرحه، وهذا السبب ليس بمضر بوثاقته، استناداً إلى تصريح الحافظ ابن حجر العسقلاني في مقدمة فتح الباري(8).
فهذا نص الخبر، وفيه ـ كما سمعتم ـ أنّ النبي يقول: « فأيّكم يوآزرني على أمري هذا ويكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فقال أمير المؤمنين: يا نبي اللّه أكون وزيرك عليه، فأخذ رسول اللّه برقبة علي وقال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيع».
وليست الإمامة والخلافة إلاّ: وجوب الإطاعة، ووجوب الإقتداء، ووجوب الأخذ، ووجوب التمسّك بالشخص، وأيّ نصّ أصرح من هذا في إمامة علي أو غير علي؟
يعني لو كان هذا اللفظ وارداً في حقّ غير علي بسند معتبر متفق عليه لوافقنا نحن على إمامة ذلك الشخص.
فهذا هو الخبر، وهو خبر متفق عليه بين الطرفين، إذ ورد هذا الخبر بأسانيد علمائنا وأصحابنا في كتبنا المعتبرة المشهورة.
فمن رواة هذا الخبر:
1 ـ ابن إسحاق، صاحب السيرة(9).
2 ـ أحمد بن حنبل، يروي هذا الخبر في مسنده(10).
3 ـ النسائي، صاحب الصحيح(11).
4 ـ الحافظ أبو بكر البزار، صاحب المسند.
5 ـ الحافظ سعيد بن منصور، في مسنده.
6 ـ الحافظ أبو القاسم الطبراني، في المعجم الأوسط(12).
7 ـ الحافظ أبو عبداللّه الحاكم النيسابوري، في مستدركه على الصحيحين.
8 ـ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري.
9 ـ الحافظ أبو جعفر الطحاوي، صاحب كتاب مشكل الآثار.
10 ـ عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي، صاحب التفسير.
11 ـ أبو بكر بن مردويه.
12 ـ الحافظ أبو نعيم الإصفهاني، صاحب دلائل النبوة وكتاب حلية الأولياء.
13 ـ الحافظ البغوي، صاحب التفسير.
14 ـ الضياء المقدسي، في كتابه المختارة، هذا الكتاب الذي التزم فيه الضياء المقدسي بالصحة، فلا يروي في كتابه هذا الاّ الروايات الصحيحة المعتبرة، ولذا قدّمه بعض علمائهم في الاعتبار على مثل المستدرك للحاكم، ومن جملة من ينصّ على ذلك ابن تيميّة صاحب منهاج السنّة، حيث يرى أنّ كتاب المختارة أفضل وأتقن من المستدرك للحاكم(13).
15 ـ الحافظ ابن عساكر الدمشقي، صاحب تاريخ دمشق.
16 ـ أبو بكر البيهقي، صاحب دلائل النبوة.
17 ـ الحافظ ابن الأثير، صاحب الكامل في التاريخ.
18 ـ الحافظ أبو بكر الهيثمي، في كتابه مجمع الزوائد يروي هذا الحديث(14).
19 ـ الحافظ الذهبي، في تلخيص المستدرك ينصّ على صحّة هذا الحديث.
20 ـ الحافظ جلال الدين السيوطي، في كتابه الدر المنثور.
21 ـ الشيخ علي المتقي الهندي، صاحب كنز العمال، يرويه فيه عن: أحمد، والطحاوي، وابن إسحاق، ومحمّد بن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم الإصفهاني، والضياء المقدسي(15).
هذا بالنسبة إلى متن الحديث، وعدّة من كبار علماء القوم الرواة لهذا الحديث في كتبهم.
وأمّا بالنسبة إلى سنده، فسنده في كتاب محمّد بن إسحاق(16) قد قرأته لكم وصحّحت السند.
ويقول الحافظ الهيثمي في كتابه ]مجمع الزوائد[ بعد أن يرويه عن أحمد بن حنبل: رواه أحمد ورجاله ثقات(17).
ويقول ـ بعد أن يرويه بسند آخر عن غير واحد من كبار أئمة الحديث كأحمد بن حنبل ـ : «رجال أحمد وأحد إسنادي البزّار رجال الصحيح غير شريك وهو ثقة»(18).
إذن، حصلنا على أسانيد عديدة ينصّون على صحّتها.
مضافاً: إلى سند الحافظ المقدسي في كتابه ]المختارة[ الملتزم في هذا الكتاب بالصحّة.
كما ذكر المتقي الهندي صاحب كنز العمال: أنّ الطبري محمّد بن جرير قد صحّح هذا الحديث(19).
وأيضاً، صحّحه الحاكم في ]المستدرك[ عن ابن عباس في حديث طويل، ووافقه على التصحيح الحافظ الذهبي في ]تلخيص المستدرك[.
وأيضاً نصّ على صحّة هذا الحديث الشهاب الخفاجي في ]نسيم الرياض [وهو شرحه على كتاب الشفاء للقاضي عياض، حيث يذكر هناك معاجز رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، ومن جملة معاجزه هذه القضية، حيث أنّ الطعام كان صاعاً واحداً وعليه رِجل شاة فقط، فأكلوا كلّهم وشبعوا، وهذا من جملة معاجز رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، ويقول الشهاب الخفاجي: إنّ سند هذا الخبر صحيح(20).
ونراجع نصوص الحديث في الكتب المختلفة، نجد في بعضها هذا اللّفظ:
«فأيّكم يوآزرني على أمري هذا ويكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟ قال علي: أنا يا نبيّ اللّه، أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي فقال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم فاسمعوا وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع وتطيع لعلي».
وهذا لفظ، وقد قرأناه عن عدّة من المصادر.
لفظ آخر: «من يضمن عنّي ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنّة ويكون خليفتي في أهلي؟ فقيل له: أنت كنت بحراً، من يقوم بهذا، فعرض ذلك على أهل بيته واحداً واحداً، فقال علي: أنا، فبايعه رسول اللّه على هذا»(21).
ومن ألفاظ هذا الحديث ما يلي: «قال رسول اللّه: من يبايعني على أن يكون أخي ووصيّي ووليّكم من بعدي؟ قال علي: فمددت يدي فقلت: أنا أُبايعك. فبايعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله»(22).
فهذه ألفاظ الحديث، وتلك أسانيده، وتلك كلمات كبار علمائهم في صحّة هذا الحديث وتنصيصهم على ثقة رواته.
(1) كنز العمّال 13 / 131 رقم 36419، وأنظر: تفسير الطبري 19 / 149، سنن البيهقي: 759، تفسير ابن أبي حاتم 9 / 2826 رقم 16015 باختلاف.
(2) من رجال البخاري ـ في المتابعات ـ ومسلم والأربعة. تقريب التهذيب 2 / 144.
(3) تاريخ أسماء الثقات: 9، تاريخ بغداد 9 / 255.
(4) ميزان الإعتدال 2 / 640، رقم (5147).
(5) هدى الساري: 382 و398.
(6) من رجال البخاري والأربعة، تقريب التهذيب 2 / 278.
(7) تقريب التهذيب 1 / 408.
(8) هدى الساري: 382، 398.
(9) سيرة ابن اسحاق (السيرة النبوية): 187.
(10) مسند أحمد 1 / 109.
(11) سنن النسائي 6 / 248.
(12) المعجم الأوسط 2 / 276.
(13) الفتاوى الكبرى 3 / 48.
(14) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 9 / 113، وفيه: وإسناده جيّد.
(15) كنز العمّال 13 / 131، رقم 36419.
(16) سيرة ابن اسحاق: 187.
(17) مجمع الزوائد 8 / 302 ـ باب معجزاته صلّى اللّه عليه وسلّم في الطعام.
(18) المصدر 8 / 303.
(19) كنز العمّال 13 / 133.
(20) نسيم الرياض في شرح الشفاء للقاضي عياض 3 / 35.
(21) تفسير ابن كثير 3 / 363، كنز العمّال 13 / 128 رقم 36408.
(22) كنز العمّال 13 / 149 رقم 36465.