دواعي عدم نقل الحديث:
وهنا فصلّ لابدّ من التعرّض له بإيجاز، وذلك أنّه لو يراجع الباحث الحرّ المنصف أسانيد حديث الغدير ونصوص ألفاظه، لوجد في متون الحديث قرائن عديدة تدلّ على أنّ الدواعي إلى عدم نقله أو الموانع عن نقله سواء في طبقة الصحابة والتابعين كثيرة، فمثلاً:
يقول الراوي: رأيت ابن أبي أوفى وهو في دهليز له بعد ما ذهب بصره، فسألته عن حديث، فقال: إنّكم يا أهل الكوفة فيكم ما فيكم، قلت: أصلحك اللّه إنّي لست منهم، ليس عليك منّي عار، فلمّا اطمأنّ بي قال: أيّ حديث تريد؟ قال: قلت: حديث علي في غدير خم…(1).
ويقول الراوي: أتيت زيد بن أرقم فقلت له: إنّ خَتَناً لي حدّثني عنك بحديث في شأن علي يوم غدير خم، فأنا أُحبّ أنْ أسمعه منك، فقال: إنّكم معاشر أهل العراق فيكم ما فيكم، فقلت له: ليس عليك منّي بأس، فقال: نعم، عندما اطمأنّ قال: نعم كنّا بالجحفة… إلى آخر الحديث، قال فقلت له: هل قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال: إنّما أُخبرك بما سمعت. وهذا الحديث في ]المسند[(2).
قارنوا هذا الحديث الوارد في المسند عن زيد بن أرقم، مع الحديث الذي قرأناه في أوّل البحث عن زيد بن أرقم، إنّه لم يرو هنا تلك الفقرة في ذيل الحديث، لكنْ هناك قال: نزلنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بواد يقال له غدير خم… قال: «فمن كنت مولاه، فإنّ عليّاً مولاه، اللهمّ عاد من عاداه ووال من والاه». وهذا أيضاً في ]المسند[(3).
فأحمد يروي الحديثين بفاصل أوراق معدودة، في أحدهما لا يذكر زيد بن أرقم هذه القطعة الأخيرة من الحديث لهذا الشخص، لكنْ هناك للشخص الآخر يروي هذه الجملة أيضاً.
وسأقرأ لكم حديثاً آخر عن المعجم الكبير للطبراني، سترون أنّ زيد بن أرقم يروي هذه القطعة أيضاً لذلك الراوي الآخر.
ويقول الراوي: قلت لسعد بن أبي وقّاص ـ الذي هو من رواة حديث الغدير، ومن كبار الصحابة، وأحد العشرة المبشرة كما يقولون ـ : إنّي أُريد أنْ أسألك عن شيء، وإنّي أتّقيك ـ يظهر التقيّة موجودة بينهم حتّى من أنفسهم هم ـ قال: سل عمّا بدا لك فإنّما أنا عمّك، قال: قلت مقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فيكم يوم غدير خم… فجعل سعد يحدّثه بالحديث(4).
لكنّ الراوي عندما يريد أن يسأله يقول: اُريد أن أسألك عن شيء وإنّي أتّقيك.
أُنظر إلى الظروف المحيطة بقضيّة حديث الغدير، وبأية مشقّة كانوا يتوصّلون إلى هذا الحديث ويأخذونه من أصحاب رسول اللّه الذين حضروه؟
يقول الراوي عندما وقف شخص على حلقة فيها زيد بن أرقم قال: أفي القوم زيد؟ نعم، هذا زيد، فقال: أُنشدك باللّه الذي لا إله إلاّ هو يا زيد، أسمعت رسول اللّه يقول لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال: نعم، فانصرف الرجل(5).
وكأنّه عندما يريد أن يسأل زيداً لابدّ وأنْ يحلّفه حتّى يحكي له الواقع كما سمع من رسول اللّه. هذا الحديث في ]المعجم الكبير[ للطبراني.
فإلى هنا، قد انتهينا ممّا يتعلّق بسند حديث الغدير ومتنه.
(1) مناقب الامام علي بن أبي طالب لابن المغازلي: 16.
(2) مسند أحمد 4 / 368.
(3) المصدر 4 / 372.
(4) كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب: 62.
(5) المعجم الكبير 5 / 194.