خاتمة المطاف
وعندما ينقل السّعد عن الإماميّه قولهم: إنّ بعد رسول اللّه إماماً، وليس غير علي، لانتفاء الشرائط من العصمة والنصّ والأفضليّة عن غيره ـ وقد رأيتم كيف كان هذا الإنتفاء في بحوثنا السابقة ـ يتهجّم ويشتم الشيخ المحقق نصير الدين الطوسي وسائر علماء الإماميّة، فلاحظوا كلامه، سأنقل نصّ عبارته، لتقفوا على مقدار فهم هؤلاء، وعلى حدّ أدبهم، ثم تقارنوا بين كلام الإماميّة وكلام هؤلاء القوم، يقول:
احتجّت الشيعة بوجوه لهم في إثبات إمامة علي بعد النبي من العقل والنقل، والقدح فيما عداه من أصحاب رسول اللّه الذين قاموا بالأمر، ويدّعون في كثير من الأخبار الواردة في هذا الباب التواتر، بناء على شهرته فيما بينهم، وكثرة دورانه على ألسنتهم، وجريانه في أنديتهم، وموافقته لطباعهم، ومقارعته لأسماعهم، ولا يتأمّلون كيف خفي على الكبار من الأنصار والمهاجرين، والثقات من الرواة والمحدّثين، ولم يحتجّ البعض على البعض، ولم يبرموا عليه الإبرام والنقض، ولم يظهر إلاّ بعد انقضاء دور الإمامة وطول العهد بأمْر الرسالة، وظهور التعصّبات الباردة، والتعسّفات الفاسدة وإفضاء أمر الدين إلى علماء السوء، والملك إلى أُمراء الجور، ومن العجائب أنّ بعض المتأخرين من المتشغّبين، الذين لم يروا أحداً من المحدّثين ولا رووا حديثاً في أمر الدين، ملؤوا كتبهم من أمثال هذه الأخبار والمطاعن في الصحابة الأخيار، وإن شئت فانظر في كتاب التجريد المنسوب إلى الحكيم نصير الدين الطوسي، كيف نصر الأباطيل وقرّر الأكاذيب…(1).
قلت: أمّا نصير الدين الطوسي، فإنّا نشكر التفتازاني على قناعته بهذا المقدار من الشتم والسبّ له! نشكره على اكتفائه بهذا المقدار!
فإنّ ابن تيميّة ذكر في الشيخ نصير الدين الطوسي بسبب تأليفه كتاب التجريد واستدلاله في هذا الكتاب على إمامة علي من كتب أهل السنّة، ذكره بما لا يمكن أن يتفوّه به مسلم في حقّ أدنى الناس، ذكره بما لا يقال، ونسب إليه الكبائر والعثرات التي لا تقال، وقد خصّصنا ليلةً للتحقيق حول هذا الموضوع، وسنتعرض لكلامه بعون اللّه.
هذا فيما يتعلق بالشيخ نصير الدين الطوسي.
وأمّا أصل المطلب، فإنّا قد أقمنا الأدلّة على إمامة علي من نفس كتبهم، وبيّنا صحّة تلك الأدلّة من نفس كتبهم، وقد ذكرنا احتجاجاتنا بكلّ أدب ومتانة ووقار، لم نتعرض لأحد منهم بسبّ أو شتم، فأثبتنا إمامة أمير المؤمنين بالنص، وأثبتنا إمامته بالعصمة، وأثبتنا إمامته بالأفضليّة، كلّ ذلك من كتبهم، كلّ ذلك بناء على أقوال علمائهم، واستشهدنا بأفضل الطرق والأسانيد، واستندنا إلى أشهر الكتب والمؤلّفات، لم يكن منّا سبّ ولا شتم ولا تعصّب ولا تعسّف.
ثمّ نظرنا إلى أدلّتهم في إمامة أبي بكر، أمّا النص فقالوا هم: بعدم وجوده، وأمّا الإجماع، فلا إجماع حتّى اضطرّوا إلى الإعتراف بعدم انعقاده، وربما نتعرّض لذلك في ليلة خاصة، وأمّا الأفضليّة فتلك أفضل أدلّتهم، وقد نظرنا إليها واحداً واحداً على ضوء كتبهم، فما ذنبنا إنْ لم يتم دليل على إمامة أبي بكر؟ وتمّ الدليل من كتبهم على إمامة علي.
لماذا لا يريدون البحث عن الحقيقة؟ لماذا تكون الحقيقة مرّة؟ لماذا يلجؤون إلى السبّ والشتم؟ ولماذا هذا التهجّم؟ ألا يكفي ما واجهه علماؤنا منذ العصور الأولى إلى يومنا هذا، من سبّ وشتم وقتل وسجن وطرد وتشريد؟ إلى متى؟ ولماذا هذا؟ نحن نريد البحث عن أمر حقيقي واقعي يتعلّق بمن يحكم علينا من قبل اللّه ونريد أن نقتدي به بعد رسول اللّه، نريد أن نتعلّم منه، أن يكون واسطة بيننا وبين ربّنا، في أُمورنا الإعتقادية وفي أُمورنا العملية، أي في الأُصول والفروع وفي جميع الجهات، نريد أن نبحث عن الحقيقة ونتوصّل إليها، فإذا وصلنا إلى الحقيقة وعثرنا على الحق حينئذ نقول لربّنا: إنّا قد نظرنا في الأدلّة وبحثنا عن الحقيقة، فكان هذا ما توصّلنا إليه، وهذا إمامنا، وهذا منهجنا ومسلكنا، ليكون لنا عذراً عند اللّه سبحانه وتعالى، وكلّ هذا البحث لهذا الهدف، وليس لحبّ أو بغض، ليس لدينا أيّ غرض، وما الداعي إلى الشتم؟ وإلى متى تكون الحقيقة مرّة؟ وإلى متى لا يريدون استماع الحق وأخذه وقبوله؟ والشتم لماذا؟ وهل يتفوّه به إلاّ السوقه؟ إلاّ الجهلة؟
نسأل اللّه سبحانه وتعالى أن يوفّقنا لما يرضيه، نسأله تعالى أن يهدينا إلى فهم الحقائق وأخذها، وإلى العمل بالحق واتباعه، نسأله سبحانه وتعالى أن يبيّض وجوهنا عندما نرد عليه ونلقاه، وعندما نواجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين.
(1) شرح المقاصد 5 / 267.