خاتمة المطاف
فتلخّص ممّا ذكرنا: إنّ حديث الدار يوم الإنذار، حديث متفق عليه بين الطرفين، مقطوع الصدور، وقد يمكن دعوى أنّ هذا الخبر قد بلغ إلى حدّ الدراية، ولا يحتاج إلى رواية، ورواه كبار علماء القوم في كتبهم ونصّوا على صحّته، كما ذكرت لكم بعض الكلمات.
كما أنّي حصلت على سند محمّد بن إسحاق، وقد قرأته لكم ووثّقت رجاله، إلاّ عبدالغفار بن القاسم الذي تكلّموا فيه، لأنّه كان يذكر بعض معايب عثمان ورموه بالتشيّع والرفض، وقد قلنا: إنّ التشيّع والرفض لا يضرّان بالوثاقة كما نصّ الحافظ ابن حجر العسقلاني في ]مقدمة شرح البخاري[(1)، مضافاً إلى أنّ هذا الرجل يثني عليه شعبة ويروي عنه، وشعبة عندهم أمير المؤمنين في الحديث(2).
فإذاً، قد تمّ سنده، وكانت دلالته صريحة، ثمّ رأينا أنّهم لا يملكون كلاماً معقولاً في الجواب عن هذا الإستدلال.
مثلاً: إذا تراجعون ]منهاج السنّة[ يقول في الإشكال على هذا الخبر: بأنّ رجال قريش في ذلك العهد لم يكونوا يبلغون الأربعين، وهذا من علائم كذب هذا الخبر(3).
هذا وجه يقوله ابن تيميّة، لا أدري من الّذي يرتضي هذا الكلام من مثل هذا الشخص الذي هو شيخ إسلامهم!؟
وأيضاً: إنّه يشكل على هذا الخبر: بأنّ العرب لم يكونوا أكّالين بهذا المقدار، بحيث أنّ هؤلاء أكلوا وشبعوا والطعام كفاهم كلّهم، فهذا من قرائن كذب هذا الخبر(4).
ليس عندهم كلام معقول يذكر في مقام ردّ الإستدلال بهذا الحديث، لذا تراهم يلتجئون إلى التحريف، يلتجئون إلى التصرّف في الحديث.
وإنّني على يقين بأنّ الباحث الحرّ المنصف، إذا وقف على هذا المقدار من البحث، أيّ باحث يكون، سواء كان مسلماً أو خارجاً عن الدين الإسلامي ويريد أن يحقّق في مثل هذه القضايا، لو أُعطي هذا الحديث مع مصادره، وعرف رواة هذا الحديث، وأنّهم كبار علماء السنّة في العصور المختلفة، ثمّ لاحظ متن الحديث ولفظه بدقّة، ثمّ راجع كلمات المناقشين في هذا الحديث والمعارضين لهذا الإستدلال، من مثل ابن تيميّة والفضل ابن روزبهان وأمثالهما، ولاحظ تصرّفات هؤلاء في متن هذا الحديث.
لو أنّ هذا الباحث الحرّ المنصف يحقّق هذه الأُمور، أنا على يقين بأنه سيكفيه هذا الحديث وحده للإعتقاد بإمامة علي بعد رسول اللّه، كما أنّي أعتقد أنّ الذين يأخذون معارف دينهم ومعالمه من مثل الفضل ابن روزبهان أو من مثل ابن تيميّة أو الندوي أو البوطي، لو دقّقوا النظر وراجعوا القضايا على واقعيّاتها، واستمعوا القول لاتّباع الأحسن، لرفعوا اليد عن اتّباع مثل هؤلاء الأشخاص، وعن أن يقلّدوهم في أُصولهم وفروعهم.
ولكنّ الهداية بيد اللّه سبحانه وتعالى، إذا أراد أن يهدي أحداً يهديه، وما تشاءون إلاّ أنْ يشاء اللّه.
وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين، وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين.
(1) هدى الساري: 383 و398.
(2) تاريخ أسماء الثقات: 9، تاريخ بغداد 9 / 255.
(3) منهاج السنّة 7 / 304.
(4) المصدر 7 / 306.