خاتمة المطاف
إذن، كان لعلي ولفاطمة وللحسنين سهم في تقدّم الإسلام، كان علي شريكاً لرسول اللّه في رسالته.
وهذا معنى (فَأَرْسِلْهُ مَعي رِدْءًا يُصَدِّقُني)(1)، فهارون كان ردءاً يصدّق موسى في رسالته، وطلب رسول اللّه من اللّه أن يشرك عليّاً في أمره، كما أنّ هارون كان شريكاً لموسى في رسالته.
وهذا معنى: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي»، وقد قلت من قبل: إنّ الأحاديث هذه كلّها تصب في مصبّ واحد، ترى بعضها يصدّق بعضاً، ترى الآية تصدّق الحديث، وترى الحديث يصدّق القرآن الكريم، وهكذا الأمر فيما يتعلّق بأهل البيت:
رسول اللّه يجمع أهله تحت الكساء فتنزل الآية المباركة آية التطهير(2)، وفي يوم الغدير ينصب عليّاً ويعلن عن إمامته في ذلك الملأ فتنزل الآية المباركة:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ)(3).
وأي ارتباط هذا بين أفعال رسول اللّه والآيات القرآنيّة النازلة في تلك المواقف، ترون الارتباط الوثيق، يقول اللّه سبحانه وتعالى: (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ)(4) ويخرج رسول اللّه بعلي وفاطمة والحسن والحسين فقط، وهذا هو الارتباط بين الوحي وبين أفعال رسول اللّه وأقواله.
إذن، فالآية المباركة غاية ما دلّت عليه هو الأمر بالمباهلة، وقد عرفنا معنى المباهلة، لكن الحديث دلّ على خروج علي وفاطمة والحسن والحسين مع رسول اللّه.
الآية المباركة ليس فيها إلاّ كلمة: (أَنْفُسَنا) لكن الحديث فسّر تفسيراً عملياً هذه الكلمة من الآية المباركة، وأصبح علي نفس رسول اللّه، لا بالمعنى الحقيقي، بل كان كرسول اللّه، فكان مساوياً لرسول اللّه، ولهذا أيضاً شواهد أُخرى من الحديث في مواضع كثيرة:
يقول رسول اللّه مهدّداً إحدى القبائل: «لتنتهنّ أو لأرسل إليكم رجلاً كنفسي»(5).
وكذا ترون في قضيّة إبلاغ سورة البراءة، إنّه بعد عودة أبي بكر يقول: بأنّ اللّه سبحانه وتعالى أوحى إليه بأنّه لا يبلّغ السورة إلاّ هو أو رجل منه(6).
ويقول في فضيّة: «علي منّي وأنا من علي وهو وليّكم من بعدي»(7)، وهو حديث آخر.
وهكذا أحاديث أُخرى يصدّق بعضها بعضاً.
إلى هنا ينتهي البحث عن دلالة آية المباهلة على إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام، وإنْ شئتم المزيد فهناك كتب أصحابنا من ]الشافي[ للسيد المرتضى، و]تلخيص الشافي[، للشيخ الطوسي، وكتاب ]الصراط المستقيم[ للبيّاضي، وكتب العلاّمة الحلّي رحمة اللّه عليه، وأيضاً كتب أُخرى مؤلّفة في هذا الموضوع.
ولي ـ والحمد للّه ـ رسالة في هذا الموضوع أيضاً، وتلك الرسالة مطبوعة، ومن شاء التفصيل فليراجع.
وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
(1) سورة القصص (28): 34.
(2) (إِنَّما يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيرًا).
(3) سورة المائدة (5): 3.
(4) سورة آل عمران (3): 61.
(5) المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 506، سنن البيهقي (السنن الكبرى) 5 / 127.
(6) تاريخ مدينة دمشق 42 / 348.
(7) مسند أبي يعلى 1 / 293، كنز العمّال 11 / 608، حديث 41 329، و42 329.