بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.
تعرضنا في البحوث السابقة إلى بعض آيات من القرآن الكريم يُستدلّ بها على إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام، وكانت الآيات المذكورة دالة على عصمته، أو على ولايته، أو على أفضليّته عليه السّلام من غيره، فكانت دالة على إمامة أمير المؤمنين بالوجوه المختلفة.
ننتقل الآن إلى السنّة، لنبحث في عدّة من الأحاديث المُستدلّ بها على إمامة أمير المؤمنين، فإنّ الأحاديث الواردة في كتب أهل السنّة الدالّة على إمامته عليه السّلام كثيرة لا تحصى، وهي أيضاً تنقسم إلى أقسام:
منها: ما هو نصّ في إمامته وخلافته.
ومنها: ما يدلّ على أفضليّته بعد رسول اللّه.
ومنها: ما يدلّ على أولويّته وولايته.
ومنها: ما يدلّ على العصمة.
نصّ حديث الدار
وموضوع بحثنا في هذه الليلة حديث الإنذار أو حديث الدار.
لمّا نزل قوله تعالى (وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ اْلأَقْرَبينَ)(1) دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله رجال عشيرته، ودعاهم إلى الإسلام، وهذا الخبر وارد في كتب التاريخ، وفي كتب السيرة، وفي كتب التفسير، وفي كتب الحديث أيضاً.
قبل كلّ شيء، أقرأ لكم نصّ الحديث عن ]تفسير البغوي[ المتوفى سنة 510، يقول الحافظ البغوي:
روى محمّد بن إسحاق، عن عبدالغفار بن القاسم، عن المنهال بن عمرو، عن عبداللّه بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطّلب، عن عبداللّه بن عباس، عن علي بن أبي طالب قال:
لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله (وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ اْلأَقْرَبينَ) دعاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فقال: يا علي، إنّ اللّه يأمرني أن أُنذر عشيرتي الأقربين، فضقت بذلك ذرعاً، وعرفت أنّي متى أُباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمتُّ عليها، حتّى جاءني جبرئيل فقال لي: يا محمد إلاّ تفعل ما تؤمر يعذّبك ربّك، فاصنع لنا صاعاً من طعام، واجعل عليه رِجل شاة، واملألنا عسّاً من لبن، ثمّ اجمع لي بني عبدالمطّلب حتّى أُبلّغهم ما أُمرت به.
ففعلت ما أمرني به، ثمّ دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب.
فلمّا اجتمعوا إليه، دعاني بالطعام الذي صنعته، فجئتهم به،فلمّا وضعته، تناول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله جذبة من اللحم، فشقّها بأسنانه، ثمّ ألقاها في نواحي الصفحة، ثمّ قال: خذوا باسم اللّه، فأكل القوم حتّى ما لهم بشيء حاجة، وأيم اللّه أنْ كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم.
ثمّ قال: إسقِ القوم، فجئتهم بذلك العس فشربوا حتّى رووا جميعاً، وأيم اللّه أنْ كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله.
فلمّا أراد رسول اللّه أن يكلّمهم بدره أبو لهب فقال: سحركم صاحبكم، فتفرّق القوم ولم يكلّمهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.
فقال في الغد: يا علي، إنّ هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول، فتفرّق القوم قبل أنْ أُكلّمهم، فأعد لنا من الطعام مثل ما صنعت ثمّ اجمعهم، ففعلت ثمّ جمعت، فدعاني بالطعام فقرّبته، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا وشربوا، ثمّ تكلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فقال:
يا بني عبدالمطّلب، إنّي قد جئتكم بخيري الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللّه تعالى أنْ أدعوكم إليه، فأيّكم يوآزرني على أمري هذا ويكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟
فأحجم القوم عنها جميعاً.
فقلت وأنا أحدثهم سنّاً: يا نبيّ اللّه، أكون وزيرك عليه.
قال: فأخذ برقبتي وقال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا.
فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أنْ تسمع لعلي وتطيع(2).
(1) سورة الشعراء (26): 214.
(2) معالم التنزيل 4 / 278 ـ 279.