تعيين من خرج مع الرسول صلّى اللّه عليه و آله في المباهلة
إنّه ـ كما أشرنا من قبل ـ ليس في القرآن الكريم اسم لأحد، ولا نجد اسم علي عليه السّلام، ولا نجد اسم غيره في هذه الآية المباركة.
إذن، لابدّ أن نرجع إلى السنّة كما ذكرنا، ولكن إلى أيّ سنّة نرجع؟ نرجع إلى السنّة المقبولة والمتّفق عليها عند الفريقين.
ومن حسن الحظ، قضيّة المباهلة موجودة في الصحاح والمسانيد والتفاسير المعتبرة.
إذن، أيّ مخاصم ومناظر وباحث يمكنه التخلّي عن هذا المطلب وإنكار هذه الحقيقة؟
وتوضيح ذلك: إنّا إذا رجعنا إلى السنّة، فلابدّ وأن يتمّ البحث والتحقيق عن جهتين، وإلاّ لا يتمّ الإستدلال بأيّ رواية من الروايات:
الجهة الأُولى: جهة السند، لابدّ وأن تكون الرواية معتبرة ومقبولة عند الطرفين، ولابدّ وأن يكون الطرفان ملزمين بقبول تلك الرواية، هذا ما يتعلّق بالسند.
الجهة الثانية: جهة الدلالة، فلابدّ وأن تكون الرواية واضحة الدلالة على المدّعى.
إلى الآن فهمنا أنّ الآية المباركة وردت في المباهلة مع النصارى، نصارى نجران، ونجران منطقة بين مكّة واليمن على ما في بعض الكتب اللغوية، أو بعض المعاجم المختصة بالبلدان(1).
وإذا رجعنا إلى السنّة في تفسير هذه الآية المباركة، وفي شأن من نزلت ومن خرج مع الرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، نرى مسلماً والترمذي والنسائي وغيرهم من أرباب الصحاح(2)، يروون الخبر بأسانيد معتبرة، فمضافاً إلى كونها في الصحاح، هي أسانيد معتبرة أيضاً، يعني حتّى لو لم تكن في الصحاح بهذه الأسانيد، هي معتبرة قطعاً:
خرج رسول اللّه عليه وآله السلام ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين، وليس معه أحد غير هؤلاء.
فالسند معتبر، والخبر موجود في الصحاح، وفي مسند أحمد، وفي التفاسير إلى ما شاءاللّه، من الطبري وغيره، ولا أعتقد أنّ أحداً يناقش في سند هذا الحديث بعد وجوده في مثل هذه الكتب.
نعم، وجدت حديثاً في ]السيرة الحلبيّة[ بلا سند، يضيف عمر بن الخطّاب وعائشة وحفصة، وأنّهما خرجتا مع رسول اللّه للمباهلة(3).
ووجدت في كتاب ]تاريخ المدينة المنوّرة[ لابن شبّة(4) أنّه كان مع هؤلاء ناس من الصحابة، ولا يقول أكثر من هذا.
ووجدت رواية في ترجمة عثمان بن عفّان من ]تاريخ ابن عساكر[(5) أنّ رسول اللّه خرج ومعه علي وفاطمة والحسنان وأبو بكر وولده وعمر وولده وعثمان وولده.
فهذه روايات في مقابل ما ورد في الصحاح ومسند أحمد وغيرها من الكتب المشهورة المعتبرة.
لكن هذه الروايات في الحقيقة:
أوّلاً: روايات آحاد.
ثانياً: روايات متضاربة فيما بينها.
ثالثاً: روايات انفرد رواتها بها، وليست من الروايات المتفق عليها.
رابعاً: روايات تعارضها روايات الصحاح.
خامساً: روايات ليس لها أسانيد، أو أنّ أسانيدها ضعيفة، على ما حقّقت في بحثي عن هذا الموضوع.
إذن، تبقى القضيّة على ما في صحيح مسلم، وفي غيره من الصحاح، وفي مسند أحمد، وغيره من المسانيد، وفي تفسير الطبري والزمخشري والرازي، وفي تفسير ابن كثير، وغيرها من التفاسير، وكلّهم اتّفقوا على أنه لم يكن مع رسول اللّه إلاّ علي وفاطمة والحسنان.
(1)معجم البلدان 5 / 266 «نجران».
(2) راجع: صحيح مسلم 7 / 120، مسند الامام أحمد بن حنبل 1 / 185، صحيح الترمذي 5 / 596، خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: 48 ـ 49، المستدرك على الصحيحين 3 / 150، فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7 / 60، المرقاة في شرح المشكاة 5 / 589، أحكام القرآن للجصّاص 2 / 16، تفسير الطبري (جامع البيان) 3 / 212، تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم) 1 / 319، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 2 / 38، تفسير الرازي (التفسير الكبير) 8 / 80 الكامل في التاريخ 2 / 293، أسد الغابة في معرفة الصحابة 4 / 26، وغيرها من كتب التفسير والحديث والتاريخ.
(3) إنسان العيون في سيرة الأمين والمأمون (السيرة الحلبيّة) 3 / 212.
(4) تاريخ المدينة المنورة 1 / 582.
(5) تاريخ مدينة دمشق ـ ترجمة عثمان 39 / 177.