بحث في مقتضى سياق الآية:
لكنّهم مع ذلك يحاولون توجيه هذا الرأي، أي رأي الضحاك، يقولون بأنه مقتضى سياق الآية المباركة.
وقد قرأت الآيات السابقة على آية التطهير، والكلّ يعلم وأنتم تعلمون بأنّ الآية الآن في القرآن الكريم تتلى في ضمن الآيات التي خاطب اللّه سبحانه وتعالى نساء النبي، ولكن عند العلماء اصطلاح في علم الأُصول، يقولون: بأنّ السياق قرينة في الكلام، أي أنّه متى ما أردنا أن نفهم معنى الكلمة، نلحظ ما قبلها أو بعدها حتى نراها محفوفةً بأي كلام، وفي أيّ سياق، فالألفاظ التي تحفّ بهذه الكلمة، والسياق الذي جاءت الجملة فيه، يكون معيناً لنا أو معيّناً لنا على فهم المراد من تلك الكلمة، هذا شيء يذكرونه في علم الأصول(1)، وهذا أيضاً أمر صحيح في مورده ولانقاش فيه.
إلاّ أنّ الذين يقرّرون هذه القاعدة، ينصّون على أنّ السياق إنّما يكون قرينة حيث لا يكون في مقابله نصّ يعارضه، وهل من الصحيح أن نرفع اليد عمّا رواه أهل السنّة في صحاحهم وفي مسانيدهم وسننهم وتفاسيرهم، عن أُمّ سلمة وعن عائشة وعن غيرهما من كبار الصحابة: أنّ الآية مختصة بالنبيّ وبالأربعة الأطهار من أهل البيت؟ نرفع اليد عن جميع تلك الأحاديث المعتبرة المعتمدة المتفق عليها بين المسلمين، لأجل السياق وحده، حتّى ندّعي شيئاً للأزواج، لأُمّ سلمة أو لعائشة، وهنّ ينفين هذا الشيء الذي نريد أن ندّعيه لهنّ؟!
ليس هناك دليل أو وجه لهذا المدّعى، إلاّ إخراج الآية المباركة عن مدلولها ومعناها، والمراد الذي هو بحسب الأحاديث الواردة هو مراد اللّه سبحانه وتعالى.
ولولا أنّ الآية المباركة تدلّ على معنى ومقام ومرتبة وشأن، لما كانت هذه المحاولات، لا من مثل عكرمة الخارجي، ولا من مثل ابن كثير الدمشقي(2)، الذي هو تلميذ ابن تيميّة، فالآية المباركة لا يراد من (أَهْلَ الْبَيْتِ) فيها إلاّ من دلّت عليه الأحاديث الصحيحة المتفق عليها المقبولة عند الطرفين المتنازعين في هذه المسألة.
(1) أنظر: دروس في علم الأصول 1 / 90، وتحريرات في الأصول 7 / 45.
(2) أنظر: تفسير ابن كثير 2 / 491.