انتشار العلوم الإسلامية بالبلاد بواسطة الإمام علي و تلامذته:
ولذا نرى أنّ العلوم الإسلاميّة كلّها قد انتشرت بالبلاد الإسلاميّة بواسطة علي وتلامذته من كبار الصحابة، وهذا أمر قد حقّقناه في موضعه في بحث مفصل، لأنّ البلاد الإسلاميّة في ذلك العصر كانت: المدينة المنوّرة، ومكة المكرمة، والبصرة، والكوفة، واليمن، والشام.
وقد دقّقنا النظر وحقّقنا في الأمر، ورأينا أنّ العلوم انتشرت في جميع هذه البلدان عن علي عليه السّلام.
أمّا في المدينة والكوفة، فقد عاش علي في هاتين المدينتين وأفاد فيهما الناس بعلومه.
أمّا الكوفة، فقبل مجيء علي إليها كان فيها عبداللّه بن مسعود.
والشام، فكان عالمها الأكبر أبو الدرداء، وأبو الدرداء تلميذ عبداللّه بن مسعود، وعبداللّه بن مسعود تلميذ علي عليه السّلام.
وأمّا البصرة ومكة المكرمة، فانتشرت العلوم في هاتين البلدتين أو هذين القطرين بواسطة عبداللّه بن عباس، وعبداللّه بن عباس تلميذ علي عليه الصلاة والسّلام.
وهنا نصوص سَجَّلتها فيما يتعلّق بهذا الموضوع من ذلك البحث الذي حقّقت فيه هذه القضية، ولكن لا أُريد أنْ أقرأ تلك النصوص لئلاّ يطول بنا المجلس.
وأمّا اليمن، فقد سافر إليها علي عليه السّلام بنفسه أكثر من مرّة، وقبيلة همدان أسلمت عَلى يده.
فكان حديث مدينة العلم، وحديث أنا دار الحكمة، وغير هذين الحديثين، وما ورد في تفسير قوله تعالى: (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) وشهادات كبار الصحابة، وشهادات كبار العلماء في القرون المختلفة، وأيضاً انتشار العلوم بواسطة علي، كلّ هذه الأُمور كانت أدلّة على أنّ المبرّز في هذا الميدان هو علي عليه السّلام، فالشرط الأول إنّما توفّر في علي دون غيره.
ولدلالة هذه الأُمور على تقدّم علي على غيره من الأصحاب، يضطر القوم إلى التحريف والتكذيب، فإنكم إذا راجعتم ]صحيح الترمذي[ لا تجدون فيه حديث «أنا مدينة العلم وعلي بابها»، مع رواية غير واحد من الحفاظ الأعلام كابن الأثير والسيوطي وابن حجر هذا الحديث عنه!
وهكذا يضطرّ ابن تيميّة أنْ يكذّب كلّ هذه الأُمور، حتّى أنّ كون ابن عباس تلميذاً لعلي يكذّبه ابن تيميّة، حتّى أخذ عبداللّه بن مسعود عن علي يكذّبه، وحديث مدينة العلم يكذّبه، وهكذا الأحاديث الأُخرى التي ذكرت بعضها.
يقول بالنسبة إلى حديث: «هو الأُذُن الواعية» يقول: إنّه حديث موضوع باتفاق أهل العلم.
وحديث «أقضاكم علي» يكذّبه ابن تيميّة، حتّى يقول: هذا الحديث لم يثبت، وليس له إسناد تقوم به الحجة، لم يروه أحد في السنن المشهورة، ولا المسانيد المعروفة، لا بإسناد صحيح ولا ضعيف(1).
وقد ذكرنا أنّه في البخاري، وفي سنن النسائي، سنن ابن ماجة، وفي الطبقات لابن سعد، وفي مسند أحمد، وغيرها من الكتب.
وتكذيب ابن تيمية هوالآخر دليل على ثبوت هذه القضايا، وعلى تقدم علي في هذا الشرط على غيره.
وتلخّص، أنّه إذا كان العلم بالأصول والفروع، وإذا كان التمكن من إقامة الحجج والبراهين ودفع الشبه، هو الشرط الأول المتفق عليه بين المسلمين في الإمام الذي يريد المسلمون أن يختاروه على مسلك الإختيار، فهذا الشرط موجود في علي دون غيره.
فأيّ حديث يروونه في حقّ أبي بكر في مقابل هذه الأدلّة وغيرها؟
يروون حديثاً ينسبونه إلى رسول اللّه «ما صبّ اللّه في صدري شيئاً إلاّ وصببته في صدر أبي بكر».
إن كان هذا الحديث صدقاً، فلماذا يقول ابن حزم جهل كذا فرجع إلى فلان، جهل كذا فرجع إلى فلان، جهل كذا فرجع إلى فلان.
لكنّ هذا الحديث أدرجه ابن الجوزي في كتاب الموضوعات ونصّ على أنّه كذب(2).
ولا يوجد حديث آخر في باب العلم يروونه بحق أبي بكر سوى هذا الحديث الذي ذكرته.
قال اللّه تعالى: (كَيْفَ تَحْكُمُونَ).
(1) منهاج السنّة 7 / 512.
(2) كتاب الموضوعات لابن الجوزي 1 / 219، الأخبار الموضوعه: 454 للملاّ علي القاري.