المناقشات في حديث الولاية
والآن، فلننظر ماذا يقول المخالفون في مقام الرد على هذا الحديث.
ليست لهم مناقشة تسمع وتستحق الذكر، إلاّ مناقشتهم في معنى «وليّكم»، لاحتمال أنْ يكون المراد: علي ناصركم، علي محبّكم من بعدي.
لكن الحديث بقرائنه الداخليّة والخارجيّة والقصة بأجمعها، تأبى كلّ هذه التشكيكات وهم أيضاً يعلمون بهذا.
ولذا يضطرّون إلى اللجوء إلى طريقة أُخرى، هي تحريف الحديث، وأنا ذاكر لكم بعض مواضع تحريفاتهم.
مثلاً: إذا راجعتم ]صحيح البخاري[(1)، ترونه يروي بسنده عن عبداللّه بن بريدة، عن أبيه ـ نفس السند ـ، يقول: بعث النبي صلّى اللّه عليه وآله عليّاً إلى خالد ليقبض الخمس، يقول بريدة: وكنت أُبغض عليّاً، وقد اغتسل ـ التقطيع في الحديث واضح، فمن يدقّق النظر في لفظ هذا الحديث المبتور يرى أنّ فيه تقطيعاً! يرى أنّ فيه تحريفاً! ـ لاحظوا: بعث النبي صلّى اللّه عليه وآله عليّاً إلى خالد ليقبض الخمس وكنت أُبغض عليّاً، وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا، فلمّا قدمنا على النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ذكرت ذلك له.
لا يقول: تنقّصت عليّاً عند النبي، لا يقول: أمرني خالد، ولا، ولا، ولا، يقول: ذكرت ذلك له ـ وكأنّه يذكر قضيّةً طبيعية ـ فقال: «يا بريدة، أتبغض عليّاً؟» فقلت: نعم، فقال: «لا تبغضه فإنّ له في الخمس أكثر من ذلك».
فأين حديث «علي منّي وأنا من علي، وهو وليّكم من بعدي»؟
هذا لفظ البخاري.
وإذا راجعتم البيهقي في ]سننه[(2)، وهو تلميذ الحاكم النيشابوري، وقد قرأت لكم لفظ الحاكم النيشابوري في مستدركه، لكنّ البيهقي يروي الحديث عن شيخه الحاكم بإسناده ويسقط من آخره: «إنّ عليّاً منّي وأنا من عليّ وهو وليّكم من بعدي».
وإذا راجعتم ]مصابيح السنّة[(3) للبغوي، الذي هو من أهم كتب الحديث عندهم، ترون أنّه لا توجد فيه كلمة «بعدي»، ففيه: «علي منّي وأنا من علي وهو وليّكم».
فعندما تسقط كلمة «بعدي» يصبح علي لائقاً للولاية أو منصوباً للولاية من قبل النبي، لكنْ متى؟ لِيكنْ بعد عثمان!!
وإذا راجعتم ]المشكاة[(4)، يروي هذا الحديث عن الترمذي بلا لفظة «بعدي»، أي ينسب هذا الحديث المحرّف إلى الترمذي، مع أنّ الحديث موجود في الترمذي مع كلمة «بعدي»!! وكأنهم لا يشعرون أنّ هناك ناظراً في الكتاب، وأنّ هناك من يرجع إلى صحيح الترمذي ويطابق بين النقلين وبين اللفظين، لكنّهم لا يستحون.
إذن، هذه طريقة ثانية وهي طريقة التحريف.
لكنْ لا مناص لمن يريد أنْ يخالف اللّه ورسوله، لمن يريد أن يعرض عمّا أراد اللّه ورسوله، من أن يتّبع طريقة ابن تيميّة، إنّه يقول: هذا الحديث كذب، وهذه أحسن طريقة لمن يريد أن يخالف اللّه ورسوله فيما قالا، وفيما أرادا، أنْ ينفي أصل القضية، وينكر أصل الخبر، ويكذّب الحديث من أصله، نصّ عبارة ابن تيميّة:
قوله: «وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي» كذب على رسول اللّه، وكلام يمتنع نسبته إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله(5).
هذه الطريقة التي لهم أن يتّخذوها، والأفضل لهم أن يسلكوا هذا الطريق، فلماذا التحريف؟ ولماذا التكذيب لبعض الألفاظ ولبعض الخصوصيات الموجودة في الحديث؟ لننكر أصل الحديث ونرتاح.
(فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا كَتَبَتْ أَيْديهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا يَكْسِبُونَ)(6).
(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْليمًا)(7).
وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين.
(1) صحيح البخاري 5 / 207.
(2) سنن البيهقي 6 / 342.
(3) مصابيح السنّة 4 / 172 رقم 4766 وفيه باختلاف: «وهو وليّ كلّ مؤمن».
(4) مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي 2 / 504، حديث 6090.
(5) منهاج السنّة 4 / 164.
(6) سورة البقرة (2): 79.
(7) سورة النساء (4): 65.