المقدمة الثانية: الإستدلال بالكتاب و العقل و السنّة
ثمّ الاستدلال كما أشرنا في خلال كلماتنا هذه، تارةً يكون بالكتاب، وتارةً يكون بالعقل وتارةً يكون بالسنّة.
أمّا الكتاب، فآياته المتعلّقة بمباحث الإمامة كثيرة، لكنّ المهمّ هو تعيين شأن نزول الآيات المستدلّ بها، وتعيين شأن نزولها إنمّا يكون عن طريق السنّة، إذن يعود الأمر إلى السنّة.
وفي الاستدلال بالعقل أيضاً، هناك أحكام عقلية هي أحكام كليّة، وتطبيق تلك الكبريات على الموارد لا يكون إلاّ بأدلة من خارج العقل، مثلاً يقول العقل بقبح تقدّم المفضول على الفاضل، أمّا من هو المفضول ومن هو الفاضل ليقبح تقدّم المفضول على الفاضل بحكم العقل؟ هذا يرجع إلى السنّة، إذن، رجعنا إلى السنّة النبويّة والأحاديث المعتبرة.
والسنّة أيضاً قد أشرنا إلى قواعدنا في إمكان التمسّك بها، وإثبات مدّعانا و احتجاجنا على ضوئها، فنحن لا نستدلّ على أهل السنّة بكتبنا، كما لا يجوز لهم أن يستدلّوا بكتبهم علينا.
وقد نصّ على هذا الذي ذكرته عدّة من أكابر علمائهم، كابن حزم الأندلسي في كتابه (الفصل)، فإنّه ينصّ على هذا المعنى ويصرّح بأنّه لا يجوز الاحتجاج للعامّة على الإماميّة بروايات العامّة، يقول:
لا معنى لاحتجاجنا عليهم برواياتنا، فهم لا يصدّقونها، ولا معنى لاحتجاجهم علينا برواياتهم فنحن لا نصدّقها، وإنّما يجب أن يحتجّ الخصوم بعضهم على بعض بما يصدّقه الذي تقام عليه الحجة به، سواء صدّقه المحتج أو لم يصدّقه، لأنّ من صدّق بشيء لزمه القول به أو بما يوجبه العلم الضروري، فيصير حينئذ مكابراً منقطعاً إن ثبت على ما كان عليه(1).
إنّ من الواضح أنّ الشيعي لا يرى حجّية الصحيحين فضلاً عن غير هما، فلا يجوز للسنّي أنْ يحتج بهما عليه، كما لا يجوز للشيعي أن يستدلّ على السنّي بكتاب شيعي; لأنّ السنّي لا يرى اعتبار كتاب (الكافي) مثلاً.
فنحن إذن نستدلّ بروايات الصحاح، وبروايات المسانيد، وبالروايات المتفق عليها بين الطرفين، ولربّما نحتاج إلى تصحيح سند بخصوصه على ضوء كتب علمائهم وأقوال كبارهم في الجرح والتعديل، ليتمّ الاحتجاج، ولا يكون حينئذ مناص من التسليم، أو يكون هناك تعصّب وعناد، ولا بحث لنا مع المعاند والمتعصّب.
(1) الفصل في الأهواء والملل والنحل 4 / 12.