المقدمة الأولى: بحث المسائل على أسس متقنة
في كلّ مسألة لا بدّ وأن يكون البحث في تلك المسألة على أُسس متقنة مدروسة، فتارةً يكون طرف البحث والخطاب شيعيّاً إماميّاً مثلك، فأنت تباحثه وتحتج عليه بما هو حجة في داخل المذهب، فلك حينئذ أنْ تستدلّ على رأيك برواية في كتاب (الكافي) مثلاً.
وأمّا إذا لم يكن شيعيّاً اثني عشريّاً مثلك، فالأمر يختلف… لابدّ وأنْ يكون البحث بينكما ابتداء على قضايا مشتركة وعلى أدلّة مشتركة.
الأدلّة المشتركة:
أوّلاً: القرآن الكريم.
ثانياً: العقل السليم.
ثالثاً: الروايات الواردة في السنّة المتفق عليها بين الطرفين، أو تحتجّ عليه من السنّة بما هو حجّة عنده وإنْ لم يكن حجّةً عندك، وليس لك أنْ تحتج عليه بكتاب (الكافي)، كما ليس له أنْ يحتج عليك بكتاب (البخاري).
إذن، لابدّ وأنْ تكون هناك نقطة وفاق واشتراك حتّى يتحاكم الطرفان إلى تلك النقطة، من كتاب، أو سنّة مسلّمة بين الطرفين، أو قاعدة عقليّة قرّرها جميع العقلاء في بحوثهم.
أمّا إذا كان طرف الخطاب سنّيّاً، ولا يوافق على كتاب (البخاري)، بل لا يرى صحّة شيء من الصحاح الستّة، فلابدّ حينئذ من إقامة الدليل له ممّا يراه حجّة، من الكتاب أو العقل، فإن أردنا أن نقيم الدليل عليه من السنّة، فلابدّ وأن نصحّح الرواية التي نحتجّ بها، لكي يلتزم بتلك الرواية; لأنّها إذا صحّت على ضوء كلمات علماء الجرح والتعديل عندهم، فلابدّ و أن يلتزم بتلك الرواية.
قد يكون في هذا الزمان بعض الباحثين من لا يقول بصحّة روايات الصحيحين فضلاً عن الصحاح كلّها، وإنّما يطالب برواية صحيحة سنداً، سواء كانت في الصحيحين أو في غير الصحيحين، فإثبات صحّة تلك الرواية لابدّ وأنْ يكون على ضوء كلمات علماء الجرح والتعديل من أهل السنّة بالنسبة لرواتها حتّى تتمّ صحّة الرواية، ويمكنك الإستدلال بها.
فإنْ عاد وقال: ليست كلمات علماء الجرح والتعديل عندي بحجّة، هذا الشخص حينئذ لا يتكلّم معه ويترك; لأنّ المفروض أنّه لا يقبل بالصحيحين، ولا يقبل بالصحاح، ولا يقبل برواية فرض صحّتها على ضوء كلمات علماء الجرح والتعديل من أئمّتهم، حينئذ لا مجال للتكلّم مع هكذا شخص أبداً.
لكن المشهور بين السنّة: أنّهم يرون صحّة أخبار الصحيحين، وإن كنّا أثبتنا في بعض بحوثنا أنّ هذا المشهور لا أصل له، لكن المشهور بينهم هذا.
وأيضاً: المشهور بينهم صحّة روايات الصحاح الستّة، وإنْ اختلفوا في تعيين تلك الصحاح بعض الاختلاف.
وإنّ المسانيد أيضاً كثير منها معتبر، (كمسند أحمد) مثلاً، وإنْ كان بعض كبارهم لا يرون التزام أحمد في مسنده بالصحة، لكنْ عندنا شواهد وأدلّة تنقل بالأسانيد عن أحمد بن حنبل نفسه أنّه ملتزم في مسنده بالصحّة(1).
وهناك كتب أُخرى أيضاً مشهورة.
ونحن في بحوثنا هذه، لا نعتمد إلاّ على الصحاح والمسانيد والكتب المشهورة، بعد الاستدلال بالكتاب وبالعقل، فإذا وصلت النوبة إلى السنّة نستدلّ بالأحاديث المعروفة المشهورة الموجودة في الكتب المعتبرة المعتمدة، والروايات المتفق عليها بين الطائفتين.
فكما أشرنا من قبل، لابدّ وأن تكون الرواية متّفقاً عليها بين الطائفتين، أو بين الطرفين. هذا الاتفاق على الرواية من نقاط الاشتراك، كالقرآن الكريم وكالعقل السليم.
(1) أنظر: من مؤلّفاتنا: نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 2 / 27 ـ 30، استخراج المرام من استقصاء الأفحام 3 / 269 ـ 272.